(المشهد الرابع)
تفاصيل الخيانة و ما رأته "منال" كانوا و مازالو سرها الدفين. لم تنطق ببنت شفة لأى من أهلها أو حتى أهل زوجها. لم تخبر مخلوقا بما حدث. كان موقفا لا تحسد عليه أى امرأة فى الكون. مهما بلغ جبروت امرأة و مهما علا شأنها و مهما زادت قوتها فهى لا تشعرفى موقف مثل ذاك بكونها أكثر من طفل ضائع على شاطئ مهجور فى جزيرة لم توضع على خريطة بعد . كان ذلك بالظبط ما أحست به "منال" حين دخلت الغرفة الفندقية لتجد زوجها ممدا على الفراش الوثير نائما بجوار امرأة ذات ملامح عربية لم تعرف هويتها حينها و لا بعد ذلك. مجرد امرأة.. جسد يستأجر لأصحاب المال و الشهوة مثله. احتقرتهما من كل قلبها. ظلت صامته .. من هول الصدمة؟ احتمال... لانه لا يوجد شئ يقال؟؟ جائز... صمتها كان ملاذها الوحيد... نظرت اليها المرأة المستلقية بجانب زوجها و فى عينيها نظرات استهزاء... لابد ان تلك المرأة هى التى هاتفتها. لم يدر بينهما أى كلام... مجرد نظرات و لكن ليست ككل النظرات.
استدارت منال و خرجت تاركة الغرفة و نزلت الى بهو الفندق. طلبت من موظف الاستقبال الاتصال بغرفه زوجها. كان طلبا غريبا لكن الموظف ليس من حقه استجواب النزلاء. لبى طلبها فورا و أعطاها سماعة الهاتف.
- آلو... انا "منال" يا عبد العزيز.. انزل اللوبى..انا تحت
بقولك انزل... انا طلعت الغرفة و شوفت كل حاجة ... مفيش داعى تنكر اى حاجة..انا مش عايزة اطلع تانى الغرفة
هتنزل و هنتكلم علشان ننهى كل حاجة باحترام.
لن نعلم ابدا كيف كان موقف عبد العزيز حين استيقظ على صوت الهاتف فى غرفته و هو نائم بجانب امرأة مستأجرة ليسمع صوت زوجته من نفس الفندق تخبره برؤيتها له على تلك الحالة و رغبتها فى انهاء كل شئ.
لابد انه كاد يجن او اعتقد انه يحلم حلما سخيفا او يرى كابوسا سيريالى التفاصيل. على آية حال، مشاعر الخائن لا تهمنا فلن ننظر فى أمر إحساس قاتل وقت قتل فريسته. تعنينا الضحية و يعنينا ما حدث بعد ذلك فقط.
الفراق كان أمرا حتميا.. اعترف "عبد العزيز"بكل شئ لها.. اعتقد ان هذا قد يكون ملاذه الأخير. منطقه ان "لا كذب حتى تنسى منال خيانتى" و لكن هل هناك اكبر من الخيانة كذب. الخيانة هى الكذب متشحا بأقبح الثياب واضعا أردأ العطور متزينا بحبال من الشوك.
الفراق كان علاج سطحى لجرحها العميق...اما فعلته النكراء فلم تجد لها علاجا أفضل من حرمانه منها و من حبها له. هذا هو مايستحق و هذا ماسوف ينال.
و "نوف"؟؟؟
بالطبع ذهبت مع امها الى مصر... أكملت تعليمها هناك و كانت تزور والدها فى نهاية كل عام دراسى. تقضى معه اجازة الصيف كاملة. لم تشعر يوما بالصدع الرهيب فى علاقة والديها فكلاهما برغم الطلاق و برغم مسبباته التى بقيت سرهما الأوحد، تعاملا بتحضر كبير فيما يخص ابنتهما... تحضر يليق بتربية كل منهما و بذكرى حب كان بينهما ذات يوم. لم تعلم "نوف" اى شئ. و لا تذكر انها سمعت من والدها او والدتها اى كلمة جارحة فى حق الآخر. كانت فخورة بهما رغم البعد و الانفصال و رغم الشتات الذى وجدت نفسها أسيرة له... فى اواخر الصيف و طوال الشتاء هى فى مصر مع والدتها و فى بداية الصيف تقضى عطلتها مع والدها و زوجته التى تزوجها لاحقا بعد أن يئس ان تعود إليه منال نهائيا. الحياة تستمر... و حياة الجميع استمرت.. و أنهت نوف دراستها و جاءها الخطاب واحدا تلو الآخر. والداها ققررا ان يتركا لها حرية الاختيار، حتى الوالد لم يمانع ان تزوجت ابنته رجلا مصريا بالرغم من ميل اهله بنزعتهم القبلية و إلحاحهم عليه فى أن يزوج بنته "السعودية" الى شاب "سعودى" يليق بهم و باسم عائلتهم الكبير. و لكن "عبد العزيز" لم يرد ان يحطم قلب ابنته يوما.. هى كل ماتبقى له من "منال"... قلبها نصفين...نصف منه و نصف من منال... و ان كسر قلب ابنته و أرغمها على الزواج ممن لا يميل له قلبها فبذلك يكون قد كسر قلب منال مرتين و هذا بالنسبة له كان رابع المستحيلات.
و جاء "فهد" شاب وسيم ابن اسرة غنية و متأصلة من سلسال عريق ببلده. شاب تطمع فى نسبه و نسب أسرته كل العائلات. تعلم بالخارج و عاد الى بلده ليعمل فى مشاريع اسرته الاستثمارية. والد فهد تعامل مع "عبد العزيز"- والد "نوف"- فى اكثر من مشروع مربح، ومن هنا كانت المعرفة و اعرب والد "فهد" عن رغبته بطلب ابنة "عبد العزيز" لولده. كان حدثا مفرحا مبهجا بكل المقاييس و اكتمل بموافقة مبدئية من "نوف" على الخوض فى تلك التجربة.
هذه الايام اصبحت هناك جوالات و برامج للمحادثات و طرق كثيرة للتواصل فبات من السهل على أبناء و بنات الجيل الجديد التعرف بشكل أفضل على بعضهم البعض برغم العادات و التقاليد. و هذا ماكان بين العروسين. تعلقت "نوف" بفارس الأحلام "فهد"، و بدأت تشعر بنبته حب بضة قد بدأت تنبض بالحياة داخل فؤادها الغر. اهتمامه بها و حبه لها جعلاها تشعر أنها ملكة متوجة فى قلبه..اصبحا لا يفترقان حتى و ان كان قربهما فى عالم افتراضى و ليس واقعا ملموسا... يستقظ على صوتها و تنام على صوته..كان أول حب يملأ قلبها؛ و الحب الأول.. ليس كأى حب.
(المشهد الأخير)
(نوف مسترخية على أريكة بغرفة بغرفة الجلوس بمنزلها)
نوف: (مخاطبة أمها على الهاتف بلكنة مصرية ) "فهد" راجع كمان يومين يا ماما
منال: ان شاء الله يرجع بالسلامة يا حبيبة قلبى. ربنا يسعد أيامكم.
نوف: انا حضرت أحلى لبس عندى علشان اول ما يرجع بفكر نسافر انا وهو اى مكان نقضى فيه يومين
منال: و ماله يا حبيبتى... قوليله و ان شاء الله مايكونش مشغول و تسافروا تقضوا يومين حلوين فى اى مكان جميل تحبوه
نوف: ماما
منال: نعم يا حبيبة قلبى
نوف: ......
منال: مالك يا نوف؟ انتى بتفكرى فى ايه يا حبيبتى؟
نوف: انتى عارفة
منال: نفس الموضوع! اكيد.
نوف: ايوا يا ماما
منال: الخلفة يا بنتى حاجة بتاعة ربنا و ان شاء الله فيه فايدة و فيه أمل. انتى بتروحى مع جوزك للدكتور و هو قا لكم ان فيه تحسن و ممكن فى خلال سنة تخلفوا ان شاء الله.
نوف: بس انا خايفة.
منال: من ايه بس يا حبيبة قلبى؟ هو مش جوزك صابر و ما اشتكاش من حاجة و كويس معاكى؟
نوف: جدا
منال: يبقى سيبك من الشيطان ده و استعيذى بالله منه
نوف: مش عارفة يا ماما.
منال: ماتقلقينيش عليكى بقى
نوف: ماتقلقيش... انا عارفة ان اول مايبقى فيه حمل هبقى تمام
منال: ان شاء الله يا حبيبتى. و الله انا مش ببطل دعاء لكم انتم الاتنين فى كل وقت
نوف: ربنا يتقبل يا ماما... انا هروح دالوقتى اشوف ترتيبات الاكل و ايه اللى ناقص فى المطبخ و فى البيت علشان الحق انزل اشتريه بكره قبل مايرجع فهد و هبقى اكلمك تانى يا ماما ان شاء الله.
منال: باذن الله يا حبيبتى ... خدى بالك على نفسك و على جوزك...لا إله الا الله
نوف: سيدنا محمد رسول الله
أنهت "نوف" مكالمتها مع أمها و همت بالذهاب الى المطبخ تاركة الهاتف الخلوى على الأريكة حين سمعت إشعارا من الهاتف ينبئ برسالة واردة.
رجعت "نوف" و التقطت الهاتف و نظرت الى الرسالة.. علها رسالة من زوجها الحبيب. نظرت اليها بتمعن و اتسعت عيناها عن اخرهما. وقفت تقلب فى محتويات الرسالة. كانت الرسالة تحوى مجموعة من الصور. هل هذا معقول؟؟؟ من هذا؟؟؟ و من تلك؟؟؟ لا يمكن أبدا. مستحيل.
ووسط ذهولها و حيرتها وصلتها رسالة جديدة و لكن بها مقطع فيديو قصير... انه "فهد" زوجها.. انه هو و هو يحدثها فى وقت سابق اثناء اليوم... المكالمة التى اخبرها فيها بموعد وصوله بعد يومين... و لكنه لا يبدو فى ماليزيا... انه فى السعودية... و من تلك التى بجانبه؟؟؟ انها تحتضنه؟؟؟ هل كان هذا ما يفعله وهو يحدثها باكر اليوم؟؟؟؟ هل كان فى السعودية طيلة أسبوعين مع تلك المرأة؟؟؟ لماذا؟؟؟
و توالت الرسائل الواحة تلو الأخرى... صور.. رسائل صوتية...مقاطع فيديو أخرى..........
و فجأة تحولت كل الألوان فى عينيها إلى الأسود وسقطت نوف على الأرض مغشيا عليها.
***
بعد يومين عاد "فهد" الى المنزل و هو يحمل حقيبة سفره فرحا مستبشرا ... كان البيت هادئا كالمعتاد... و لكن هناك شيئا غير مألوف شعر به. أين رائحة الطيب الذى يحبه و الذى كانت تستقبله به زوجته؟؟؟ اين هى؟ انه معتاد على رؤيتها تهرول اليه بعد كل عودة له... تركض من أى مكان بالمنزل فور ان تشعر به قد أتى. أين هى؟؟؟ نادى "فهد" على الخادمة و لكن لم يظهر له أحد نهائيا. البيت خالٍ، ليس به أحد.
زادت ريبة "فهد" فذهب بسرعة الى غرفة نومه، لم يجدها هناك و شعر بفراغ لا يعلم مصدره. كأن هناك إعصارا عصف بالبيت فلم يترك به شيئا برغم ان كل شئ فى مكانه. و لكن أين صاحبة الأشياء؟ اين نوف؟
هم "فهد" بالاتصال على جوالها حين لمح ظرفا ورقيا على مكتبه بالغرفة المجاورة لغرفة نومه... اقترب من المكتب و فتح الظرف.
كان بالظرف صورا رقمية مطبوعة ... بهت "فهد" و فجأة شعرببرودة بدأت من رأسه ووصلت إلى أوصاله فى لمح البصر فتجمد مكانه و بدأ يتصبب عرقا غزيرا من كل جسمه. فتح ورقة مطوية كانت داخل الظرف مع الصور و قرأ المكتوب فيها بخط يعرفه جيدا:
"لقد علمت كل شئ...
فى انتظار الطلاق....
أنا بمصر...
.. نوف"
###
تمت