Friday 6 October 2017

فتش عن الرجل (4) عهد جديد



عهد جديد

جرب أن تهجرنى و لن ترانى مرة أخرى، و ليس للقسوة دخل فى ذلك، بل لأنى انسان تعوَّد الفقد، و تعلمت ألا أنظر خلفى مهما كان الثمن.

و بالنسبة لى ما راح كأن لم يكن.

هكذا استطعت الصمود.

نهى حجاج

 

انتبهت "مها" لرنين هاتفها الخلوى بعد أن كانت مستغرقة فى سماع أغنية أنغام "بتوصفنى.. بتكسفنى" و هى فى حالة من الانسجام التام و الحنين إلى شئ لا تعرفه. كان المتصل صديقها "أشرف". "أشرف" ليس صديقا عاديا، فهو يكبر "مها" بما يقرب من الثلاثين عاما و لديه اهتمامات مختلفة و من يراهما يكاد يجزم أنهما من عالمين مختلفين تماما. تعرفت "مها" على "أشرف" عندما ذهبت ذات مرة لتصطحب صديقتها " يمنى" من مقر عملها لتذهبا للتسوق. كان "أشرف" هو مدير "يمنى" و صاحب الشركة التى تعمل بها؛ و كان من الطبيعى أن يتردد على مكتبها أثناء العمل بشركة الاستيراد و التصدير التي أنشأها منذ عدة سنوات. كانت "يمنى" تعمل سكرتيرة له و يساعدها أوفيس بوى صغير السن يدعى "ابراهيم". يومها التقيا فى مكتب "يمنى" و منذ تلك المرة أحست "مها" أن "أشرف" لن يكون مجرد شخص قابلته؛ وهو أيضا كان لديه نفس الشعور. كما قلنا كان أشرف يكبر "مها" بسنوات عدة و لكنه مع ذلك لم يشعرها بهذا الفارق. كان يفعل ذلك مع كل فتاة و امرأة جميلة يقابلها، فقلبه قلب شاب خالد لا يشيخ أبدا. و هذا ما قاله لـ"مها" فيما بعد حين توطدت صداقتهما.  نعم صداقة! فى مخيلة "مها" لم يكن أشرف فتى الأحلام، ليس بسبب فارق السن و لكن لأنها باتت تعرف أنه كما نقول بلغة العصر "حبِّيب" و لا يستقر قلبه على واحدة أبدا. و كان دليل "مها" على ذلك أن "أشرف" بالفعل متزوج و لديه ثلاثة أبناء من زوجته التي أحب قبلها وبعدها العديد من النساء.

 "مها" لا تقبل بأى حال من الأحوال أن يكون حبيبها غير مخلص لها، فلديها أفكارا بالية تتعلق بالإخلاص فى الحب و أن حبيبا ً واحدا يكفى. و تعلم أنها إن أحبت أخلصت؛ لذلك فمن حقها أن يبادلها حبيبها إخلاصا بإخلاص، ووفاءا بوفاء. كما أن "مها"  لم تقتنع يوما أن الوفاء صفة غريبة عن الرجال. هي التي قرأت "عنترة" و "قيس و ليلى" و "روميو و جولييت" و غيرها من قصص الغرام، لم تستبعد أن يكون هناك رجل واحد على الأقل فى ذلك الكون الفسيح لم يتلوث بأفكار مجتمعنا، بل أفكار جنسنا البشرى كله، التى تغري قلب الرجل أن يكون فندقا ملئ بالنزيلات، الدائمات منهن والعابرات. رومانسية؟ قطعا. غبية؟ إحتمال. لكن الأكيد أن تلك الأفكار هي سبب عزوفها عن الزواج حتى الآن بعد طلاقها. ربما تندم، و ربما تجد ما تحلم به!

لطالما أخبرها "أشرف" أن الزواج هو أسوأ نظام اجتماعى على وجه الأرض. و كانت تستمع إليه باهتمام لدقائق ثم لا تلبث أن تتذكر أنه هو نفسه متزوج. لقد دخل أكبرأبنائه الجامعة الآن و هو لايزال يردد تلك العبارة الغريبة عن الزواج. 

-        لماذا تزوجت إذن يا اشرف؟

-        كنت قاب قوسين أو أدنى من البقاء عازبا مدى الحياة.

-         !

-        لا تتعجبي. فقد كانت زوجتي الحالية هي آخر من التقيت بهن من بنات حواء فى سلسلة جواز الصالونات. لم أحبها من أول نظرة و لكنى كنت قد ارتحت لها و أعجبت بها من حيث الشكل. و لكن فرق السن بينى و بينها لم يكن صغيرا أبدا، فأنا أكبرها بخمسة عشر عاما. و حين شعرت بنظرتى الفاحصة كرجل أنها معجبة بشخصي، مع ترددها فى الوقت ذاته بخصوص فرق السن، تحدثت إليها بكل صراحة و قلت لها: " أريد أن أُعلِمك شيئا هاما جدا، قد لا تجدى فيه أى أهمية لديك، و لكنى أحب أن اخبرك به على آية حال. أنا أكبر فى السن يوما بعد يوم و ليس فى هذا ما يعيبني كرجل يريد الزواج؛ لكن الفرق فى العمر بينى و بين البنات اللاتى أراهن بغرض الزواج أصبح يتسع و يزيد بما يثير فى داخلى أنا شخصيا حالة من النفور و الإحباط. انا معجب بك و قد قررت ألا أرى بعدك أى عروس أخرى. فإن وافقتِ على ارتباطنا تزوجتك على الفور و إن لم تقبلى فسأظل عازبا ما بقيت، و قد حسمت الأمر بينى وبين نفسى وأترك لك القرار."

-        و ما الذي حدث بعدها يا "أشرف"؟

-        وافقت.. (أتبع رده بضحكة مدوية)

-        !

كيف سأَلَته "مها" ذلك السؤال الساذج؟ هي تعلم أنه متزوج من نفس المرأة التى يتكلم عنها. لماذا سألته إذن؟ ربما لأن داخلها كان يمقت حقيقة أن تلك المرأة قد تعرضت لضغط نفسى خفي، لم تدركه حينها عندما وافقت على الزواج من "أشرف" معتقدة أن ذلك كان قرارها! أو ربما لأن عقلها كان يرفض أن تقع تلك المرأة المسكينة فى شباك رجل تعلم تمام العلم أنه ليس بالإخلاص و الوفاء الذى يظهره لها! هل كانت زوجته تدرك ممن تتزوج؟ هل كانت تعلم و لو النذر اليسير عن مغامرات "أشرف" قبل أن تجمعهما الأقدار؟ أم هل أدركت ذلك بعد أن "وقع الفاس فى الراس"؟ لم تستبعد "مها" أن تكون الزوجة على علم بكل ما يفعله "أشرف"، أو اكتشفته بعد بضع سنوات من الزواج، و لكنها تريد فقط الحفاظ على الزيجة و البيت و الأسرة، شأنها فى ذلك شأن الكثير من النساء فى بلادنا. إنك لداهية خبيث يا "أشرف"، حين تريد الإيقاع بفريستك. ترمى لها الطعم و تجعلها تلقمه بمنتهى الأريحية؛ بل وتجعلها تتلذذه و مذاق دمها مختلط به. 

على الهاتف، بادر "أشرف" "مها" بسؤاله عن أحوالها و إن كان يستطيع التحدث إليها الآن أم فى وقت لاحق. ردت "مها" بترحاب و أخبرته أنها غير مشغولة و أنها كانت لا تفعل شيئا ذو أهمية وقت اتصاله بها. و من هنا انطلقت محادثتهما التى كانت دائما تتضمن كلاما عن أحوال البلد و السياسة و أحوال النساء و الرجال بشكل عام و الارتباط و الطلاق و قصص من الماضى. أكثرها يرويه "أشرف" صاحب المخزون الأكبر من الذكريات والتجارب بحكم فارق السن، وبعضها تحكيه "مها" فى شغف كى تسمع تعليق "أشرف" عليه. والأكيد فى نهاية كل مكالمة – و التى كانت تطول لساعتين أو أكثر- أن إنهاءها كان صعبا على كليهما.

على الرغم من ذلك،  لم تكن "مها" تحب "أشرف" فهو بالنسبة لها مجرد شخص حرك داخلها مشاعرا وأدتها فى مهدها حين علمت أنه رجل متزوج. لذلك قررت أن تتنسم معه الصداقة و الألفة التي لم تعد تجدها مع كثير من الناس فى محيطها، فقد انطوت "مها" على نفسها كثيرا بعد طلاقها. و لكنها الآن تتمنى زوجا مثله، يكون رفيقا ملهِما، و صديقا مُحبا لها مثلما هو الحال مع "أشرف". تمنت رجلا شغوفا و زوجا رؤوفا و أبا متفانيا، حتى و إن كان يلعب بذيله من وراء ظهرها؛ شرط أن يفعل ذلك دون درايتها و دون أن يعلم أحد.

أما أشرف فقد كان يتمنى أن يرتبط ب"مها" حتى و لو بشكل غير رسمى، فقد فعل ذلك مرارا قبل ذلك مع غيرها من النساء اللاتي أعجب بهن، و كان يريد أن ينال "مها" و لكنه يعرف أنه لن ينالها إلا بشكل يليق بشخصيتها المتفردة. إن "أشرف" زير نساء من العيار الثقيل، ذو وجاهة و دهاء. و فوق ذلك كما ذكرنا من قبل فهو "حبِّيب". المشاعر لديه أهم من الجسد، و إن كان الجسد جزء لا يتجزأ من تفكيره فى أى امرأة. تُرى، هل تخيل أن توافق "مها" أن تكون زوجة ثانية له في الخفاء؟ أو زوجة بعقد عرفى؟ أو عشيقة؟ هو يعرف جيدا أن "مها" تعتد بنفسها و أن رأسها يحوى عقلا غير عقل أغلب النساء اللاتى دخلن حياته، وأنها لن تقبل غير أن تكون سيدة قلبه الوحيدة. لعل ذلك ما جذبه لها منذ أول وهلة حين رآها فى الشركة وهى تزور "يمنى"!  على آية حال، كان يريدها "أشرف" فى حياته بأى شكل، حتى و إن ظلوا اصدقاءا فقط، و كان ذلك له هو أضعف الإيمان.

هكذا كان الحال دوما بينهما. مرت سنون و "أشرف" و "مها" يتواصلان بشكل مستمر، و إن كان متقطعا. الظاهر فى تواصلهما أنهما أصدقاء و لكن ما بينهما لم يكن مجرد صداقة، بل كان شيئا غريبا أقرب للمكاشفة و التجرد. حينما كانا يتحدثان أثناء لقاءاتهما المتكررة فى المطاعم و الكافيهات، أو حتى عبر الهاتف، كانا يتصارحان مثل طفلين بكل ما يعتلج صدريهما. كان لقاءهما أشبه بالاعترافات الكنسية. يلعب أحدهما دور القس و يلعب الآخر دور المسيحى المثقل بالهموم و الخطايا، جاء ينتظر الخلاص. تبدأ جلسة الاعتراف دائما بكوب من الشاي أو القهوة، يتناولان منه بضع رشفات ثم يبدأ طوفان الحديث. يتحدثان فى كل شئ. يتحدثان عما ما مرا به من تقلبات عصفت بهما، أو معضلة واجهتهما، أو فرحة غمرتهما مع الأهل و الأصدقاء، أو فكرة مجنونة يودان لو يسمح الدهر كى يَهِما بها.

ذات مرة، فى خريف ما، أخبر "أشرف" "مها" برغبته فى أن يسافر فجأة إلى ألمانيا، على أن يعود إلى مصر صباح اليوم التالى، دون هدف أو سبب محدد. هو يريد فقط أن يسترق نفسه من وسط مسئولياته و طنين الحياة، و أن يكرس يوما واحدا له هو فقط كي يسترجع يوما من أيام العزوبية. خطط فى ذهنه كثيرا أن يفعلها و لكن لم تواته الشجاعة الكافية. مازالت فيزا الشينجن خاصته سارية. كل ما كان عليه فعله هو شراء تذكرة الطيران ذهابا و إيابا من شركة الطيران القريبة من منزله. على أن يكون الطيران ليلا كى يصل ميونخ فى منتصفه، و يتجول فى شارع "ماكسميليان" أو كما يقول الألمان "ماكسميليان شتراسه" و ينظر إلى فاترينات المحلات الأنيقة للماركات المعروفة الباهظة الثمن. ثم يتسلل إلى الشوارع الجانبية فيجلس على إحدى المقاهي ليحتسى بعض القهوة و يكمل تجواله بعدها. يتخيل هواء ميونيخ الخريفى البارد يلفح وجنتيه. ثم يذهب قرب الفجر إلى فندقه المحبب "الفورسيزونز" فى نفس الشارع. ينام بضع ساعات ثم يفيق ليتجول طوال اليوم فى المدينة، ثم يركب القطار حتى يصل إلى مكان يحرص على الذهاب إليه كلما وطأت قدماه أرض ألمانيا. إنها محرقة "داخاو" التى زارها مرارا، و التى تقف شاهدا على حكم النازى فيدخل إليها لا ليحرق أجسادا، بل ليحرق متاعبه و أشياءا أنهكته و هو ينظر إلى أركانها. يتعجب من كم السلام النفسي الذى يشعر به و هو فى قلب المحرقة بشكلها المخروطى ذو الفتحة العلوية، و لون قرميدها الذى تلون برماد الجثث الملتهبة. كان هذا المكان فى الماضى هو رمز للبشاعة و العذاب، أما عندما يتجوله سائحا غريبا يشعر بهدوء عجيب. كأن أرواح من تعذبوا و ماتوا داخل معسكر الاعتقال تهدهده و تهمس فى أذنيه أن لا ألم بعد اليوم.

يخرج من المحرقة و معسكر النازى ليتوجه إلى حانة فى قلب المدينة، فيبتاع لنفسه بعضا من الجعة الألمانية الشهيرة. يحتسيها على مهل و لا يكثر منها حتى يظل بكامل وعيه. ثم... قد نستطيع أن نخمن بعدها ما يعتمل بخياله. زير نساء كبير مثله لن ينهى يومه فى ميونيخ دون أن يرتشف من جمال نسائها مثلما فعل بجعتها. يُنهى يومه فى الفندق، و يقوم بعمل  check out ليتوجه بعدها إلى المطار مستقلا طائرة العودة فى الليل أيضا. هدوء الليل ساحر، و هدوء ليل ميونيخ بالذات آسر.  هى مغامرة لم يفعلها حتى الآن، وهو يوم يود أن يقضيه من عمر زمانه لكنه بالنسبة له زمن آخر.

كانت الحياة تسير بين "أشرف" و "مها" على نفس الوتيرة تقريبا طوال سنوات. هى تعمل فى المعهد الفرنسى كمدرسة للغة الفرنسية التى تتقنها و تقوم بالترجمة للسفارة الفرنسية بالقاهرة من حين لآخر، و هو فى شركته يديرها بالنهار و فى بيته بين زوجته و أولاده بالمساء. كانا يتحدثان على الأقل مرة أو مرتين كل أسبوع؛ وطوال تلك السنوات تكاد تكون أحاديثهما لا تتغير. فى تلك الفترة لم يكن لدى "أشرف" مغامرات جديدة هامة. ليس أكثر من أن إحداهن بادلته إعجابا بإعجاب أو أن إحدى السيدات اللاتى لم يعجبنه عرضت نفسها عليه فأبَى، فهو صاحب مزاج رفيع، و له مستوى عال لا يقبل بأقل منه فى عشيقاته و حبيباته. كان يحكى ذلك ل"مها" بعد أن توطدت أواصر صداقتهما مع الأيام. أما "مها" فلم ترتبط نهائيا خلال تلك السنوات الثلاث، فجرحها الذى خلفه الانفصال لم يكن قد التأم بعد. و هاهو الجرح قد أوشك على البراء تماما و بات فى مقدورها أن تأخذ خطوة جديدة فى حياتها بعد أن تجمدت كل خططها و أحلامها لفترة طويلة، حتى الدموع الجارية تجمدت فى مآقيها من كثرة ما ذُرِفت فى السابق. لقد بدأت "مها" فى جمع شتات نفسها، و فى التخطيط لحياتها المقبلة من جديد. 

اتفق الاثنان على لقاء قريب على العشاء فى أحد المطاعم الراقية بالمدينة. و فى يوم اللقاء كان الشتاء معتدلا، مُرحبا بهما. ارتدت "مها" كل جميل لديها و كست جسدها بأجمل ثوب فى خزانتها و غطته بشال من الفرو ذو لون بنى دافئ. كان شعرها المنسدل يربت وجنتيها الورديتين من حين لآخر و يداعب شفتيها التى خضبتها بلون أحمر نارى من ماركة غالية، يكفي لأن يحول برد الشتاء إلى بركان "إتنا". و صوت كعب حذائها العالِ الأنيق يقطع صمت العالم.  لطالما أحبت "مها" الاهتمام بمظهرها مثلما أحبت أن تثرى جوهرها. كانت امرأة ثرية كما يقول الكتاب؛ كيانا و قلبا و روحا. إنها صاحبة عقل مفكر و روح قديمة ساحرة كما هى صاحبة شكل جميل و قدٌ ممشوق. أحيانا كانت ترى أن طليقها أقل من أن يدرك خسارته لها، لأن عقله لم و لن يستوعب حجم تلك الخسارة؛ رغم ذكائه و ألمعيته المشهود له بهما في عمله. و مع مرور السنوات بعد الطلاق، و مع تكرار محاولاته بالعودة لها أدركت أنها على صواب، فقد نَدِم. كان قد فات الأوان للرجوع و لكن مجرد رغبته فى العودة لها و إصراره على ذلك كان يعيد ل"مها" ثقتها بنفسها شيئا فشيا، فقد حطمها الانفصال وقت أن حدث، و نزع منها ثقتها و اعتدادها بنفسها إلى حد كبير. كان أحمقا أتاها فى الوقت الصحيح، بينما كان "أشرف" فارسا أتاها فى الوقت الخطأ. تلك هى معضلة حياتها.

و بعد أن استعادت "مها" تقريبا كامل حيويتها و روحها،  قررت أن تسترد حياتها، و أن تبدأ مرة أخرى فى أماكن جديدة و مع أناس جدد. و عندما التقت "أشرف" أول مرة، استيقظ شيئا فى داخلها كان قبل ذلك فى سبات عميق. و نَبَض قلبها نبضة خفيفة أشعرتها بأنها مازالت على قيد الحياة، لتصطدم بعدها بأنه متزوج و لديه أطفال. لم تترك نفسها للحزن و الاكتئاب مجددا، و إنما قررت أن تمضى فى طريق شفائها و أن تعتبر "أشرف" هدية جاءتها من عالم مواز لتعطيها أملا فى قدرتها على المضى قدما فى الطريق. و ستمضى! كان هذا هو قرارها الذي انتوت أن تخبر به "أشرف" فى ذلك اللقاء الذى كانت تعرف أنه ربما يكون لقاءهما الأخير.

وصلت "مها" إلى المطعم الأنيق حسب الموعد و لمحت "أشرف" جالسا على إحدى الطاولات فى انتظارها. اقتربت منه و قالت:

-        هاى أشرف. تأخرت عليك؟

-        أبدا. مواعيدك دقيقة دائما و أبدا. لقد أتيت أنا مبكرا.

-        هى عادتك أيضا. و هذا ما يعجبنى فيك.

-        هذا فقط؟

-        أكيد لأ. تعجبني أشياء أخرى و لكن احترامك لمواعيدك من أهم مميزاتك.

-        ماذا نطلب للعشاء؟

-        رويدك يا أشرف فالأمسية مازالت فى بدايتها. 

-        حسنا. اختارى طعامك على مهل و لنتحدث قليلا أثناء ذلك.

فعلا ذلك و أخذا يتجاذبان أطراف الحديث دون أن تتطرق "مها" لما انتوت أن تخبر به "أشرف". و بعد أن طلبا الأطباق الرئيسية و كامل مكونات وجبة العشاء جلسا شبه صامتين و نظراتهما تبوح بالكثير. بادرها "أشرف" بمكنون صدره، و عبر لها عن مدى جمالها تلك الليلة و علق جملة و تفصيلا على ما ترتديه من ملابس و إكسسوار و حتى عطرها الأخاذ الذى تنسمه حين صافحته. طأطأت "مها" رأسها خجلا و أثنت على جميل وصفه.  لكنه أعاد كلامه على مسامعها مؤكدا لها أنه لا يجمالها أو يريد أن يشعرها بأى إحراج، بل أنه لا يزيد عن كونه يقول الحقيقة التى يحسد نفسه عليها. ثم قال فى نبرة متحدية أنه يعلم تمام العلم أن الناس من حوله يحسدونه، بل و قد يكونوا يتساءلون ما الذي جعل امرأة صغيرة و جميلة مثلها  تجلس فى جلسة تبدو شاعرية مع رجل يكبرها فى السن إلى هذا الحد الملحوظ. 

-        أى حد هذا الذى تقصد يا أشرف؟ أنت بالفعل أكبر منى و لكن ليس إلى ذلك الحد الذى تتخيله. و لا يبدو عليك سنك أبدا.

اتكأ "أشرف" برسغيه على الطاولة و قد عقد يديه تحت ذقنه المرسوم و عيناه تلتهم "مها" التهاما و يداه العظيمتان تصبو إلى احتضان كفيها الصغيرين، بل إلى احتضانها كلها، ثم قال:

-        صحيح. و لكنى أكبرك بالعديد من الأعوام و أنا أدرك فارق السن بيننا جيدا.

-        و ماذا يهم فى فارق السن؟ و ماذا يشغلنا فى نظرات الناس وكلامهم؟

-        لا شئ. كل ما يهمنى هو انت.

-        نفس الشئ بالنسبة لى. كل ما يهمنى هو انت. و تهمنى صداقتنا.

 

أراد أن يعلق "أشرف" على كلمة "مها" الأخيرة لكنه أمسك لسانه و تراجع إلى الوراء حتى لامس ظهر الكرسى حين جاء النادل و بدأ فى رص أدوات الطعام و الأطباق على الطاولة أمامهما. تنحنج "أشرف" و اعتدلت "مها" فى جلستها. و بعد أن أتت أطباق العشاء الواحد تلو الآخر، بدأ كلاهما فى تناول الطعام فى حالة من السكون و الهدوء.  لكن "أشرف" كان يشعر أن هناك شيئا غير مرئي يدور بينهما، و لكنه أدركه بغريزة الصياد. كان يحدث نفسه عما قد يكون ذلك الشئ الذى أدخل فى نفسه القلق و الاضطراب،  لكنه لم يجد جوابا.

انتهى كلاهما من الطعام بعد برهة و طلب "أشرف" من النادل إحضار قائمة المشروبات و التحلية حتى يتسنى لهما أن يطلبا منها شيئا. أحضر النادل قائمتين فى همة و نشاط و وضعهما أمام كل منهما. نظر "أشرف" ل"مها" و بادرها:

-        ماذا تطلبين للتحلية؟

-        لا شئ. أشعر بالامتلاء بعد هذا العشاء الشهى.

-        و لكنك بالكاد أكلتِ. لم تنهِ حتى نصف طبقك!

-        هذا يفوق ما أتناول للعشاء بكثير. لقد تناولت هذا كله فقط لأنى معك. انت فتحت نِفسى (و ضحكت ضحكة رقيقة)

-        إذن فلنشرب شيئا ما.

-        حسنا. لا بأس. أستطيع أن أتناول بعض الشاى.

-        طبعا، فلنتناول الشاى معا.

تراجع أشرف على كرسيه فى ارتياح، وأضافت مها بابتسامة رقيقة: "جميل"، أتبعتها بصمت مريب أثار حفيظة "أشرف" فبادرها قائلا:

-        ماذا بك يا "مها"؟

-        ماذا بى؟ لا شئ هناك.

-        أشعر أنه ثمة خطبا ما، لكنك تكتمينه عني، ولا أعرف لماذا! 

أطرقت "مها" رأسها فى صمت زاد من حيرة "أشرف".

-        هناك شئ إذن.

-        (بصوت متردد) هناك شئ فعلا و لكنه ليس بالسوء الذى أشعربه فى نبرة صوتك.

-        إذن، لم التردد فى أن تحكى عنه؟ فلتتكلمى. أعتقد أنه لا توجد بيننا أسرار.

-        صحيح. أنت اقرب انسان لي. حتى صديقتى التى كانت سببا فى تعارفنا لم تعد موجودة فى حياتى الآن بسبب انغماسها فى حياتها و عدم اكتراثها بما أمر به من تغيرات. و غيرها من الصديقات و الأقرباء. الكل ابتعد عنى و لم أجد فى نفسى القدرة على مجاملة أحد أو الضغط على نفسى أكثر من ذلك كى أُبقى على ذلك الخيط الرفيع بينى و بينهم. بعد طلاقي كنت قد أصبحت شبه إنسان، أتنفس و آكل و أعيش دون روح؛ و لم يستوعب ذلك كل من حولى تقريبا. إلا أنت، كنت بمثابة الواحة التي لجأت إليها فى قيظ صحراء النسيان والحرمان. أنت الوحيد الذى كان يحدثنى فيما يؤرقنى و ينغص علىَ حياتى، أنت وحدك بدأت تُكسبنى ثقتى بنفسى مجددا. أشعرتني أنني امرأة مرغوبة و جديرة بالاهتمام و الاحترام.

-        انتِ بالفعل كذلك. و كان عبثا أن تشعرى بغير ذلك. انها خسارة لطليقك الغبى لم يدركها إلا متأخرا جداً. و كنت أعتصر ألما لمجرد التفكير أنه بتهوره و غبائه قد ترك فى نفسك ذلك الشعور البغيض بالنقص و الانهزام. انت امراة جميلة قلبا وقالبا. و لو كنت  أرى غير ذلك ما كنت أجلس أمامك الآن. ليس هناك ما يجبرني أن نظل معا كل تلك السنوات إن لم أكن على قناعة تامة أنك مثلما أقول و أكثر. لكن، ما الداعى لكلامك هذا يا "مها"؟ اصدقينى القول.

-        لقد قررت شيئا هاما.

-        قررتِ ؟؟؟

-        نعم... أشرف، أنت رجل متزوج.. و رغم كل ماتقول عن الزواج و الارتباط لكنى أعلم تمام العلم أنك تحب زوجتك و أولادك. و أعلم أيضا أن كلمتك عن الزواج و كونه أسوأ نظام اجتماعى هى طريقتك التى ارتأيت أن تُفهِمنى بها استحالة زواجنا. 

-         و لكننا لم نتعرض لموضوع الزواج بيننا إلا على سبيل المزاح. هل قرأتِ ما بداخلى دون أن أبوح به؟ لو فعلتِ لما قلتِ هذا.

-        أعلم تمام العلم يا "أشرف" أننا لن نتزوج إلا بالطريقة التى أرتضيها لنفسى. و أنت تعلم ذلك أيضا. و بالتالى لن نتزوج. يبدو أننا التقينا فى الوقت الخطأ. تخيل لو كنا تقابلنا قبل زواجك و زواجى! كانت ستتغير أشياء كثيرة.

- ربما. و لكن ربما كنا افترقنا أيضا، لأنى وقت تزوجت كنت فى الثالثة والأربعين من عمرى و أنت كنت مراهقة صغيرة فى مقتبل العمر.

ساد بينهما صمت كئيب قطعته "مها" بغتة:

- "أشرف"  فلنبق أصدقاء و لكن ليس ككل الأصدقاء. ما بيننا مشاعر جميلة طيبة و لن نتجاوزها.  قد تكذبنى حين أقول أننى شعرت برغبتك أن نرتبط أكثر من مرة، و لكنك لن تكذبنى حين أقول أنا لك أننى كنت أود ذلك فى داخلى.

-        حقا؟ أحقا تريدين أن نرتبط؟

-        بكل تأكيد.

-        لكن فارق السن؟؟؟

-        ليست تلك هى المشكلة.

-        (قال متوجسا) و ماهى المشكلة إذن؟

-        المشكلة أنك رجل متزوج و أنك تحب و (بتردد) تخاف زوجتك.

-        أنا لا اخاف زوجتى. و لكني أحترم مشاعرها.

-        سيان. المحصلة هى أنك لا تقوى أن تخبرها بنيتك فى الزواج من أخرى مهما بلغ حبك لغيرها من النساء. هل أنا على خطأ؟

-        .......................

-        كلامى صحيح. 

-        لم أكن أعلم أنك تفكرين فى الزواج بى قط.

-        هذا ليس مهما طالما أن النتيجة لن تسفر عن زواج بالفعل. سواء رغبت أو لم أرغب لا يهم. فلن تستطيع أن تتزوجنى زواجا شرعيا معلنا فى تلك المرحلة من حياتك، و أنت تعلم تمام العلم أننى لن أقبل بغير ذلك.

-        اممممم، لقد قلتِ منذ برهة أنك اتخذتى قرارا. هل ستتزوجين؟؟؟ هل هناك رجل آخر فى حياتك؟؟ رجل غيرى؟؟

-        (ضاحكة) أتغير على؟؟؟

نظر لها "أشرف" نظرة حيرة و قلق و لم يستطع الرد فأردفت هى قائلة:

-        اطمئن. أنا أعلم قدر محبتك لى و غيرتك على. و أحترم كل تفاصيل مشاعرك ناحيتى. قرارى ليس بالزواج من رجل آخر.

-        ما هو قرارك إذن؟

حضر النادل و معه براد الشاى و الأقداح و السكر و الحليب، و وضع كل تلك الاشياء فى ترتيب دقيق أمامهما. ثم سأل موجها حديثه لأشرف:

-        هل هناك شئ آخر تحتاجانه يا فندم؟

شكره "أشرف" فى عجالة و لم يُزذ على ذلك، فانصرف النادل.

-        ها... أخبرينى يا "مها" ما هو قرارك؟ الفضول يقتلنى.

-        سأسافر.

-         تسافرين! أين ؟ و لم ؟

-        الإمارات، دبى. عُرِض على العمل هناك فى مركز كبير لتعليم اللغات. الراتب مجزِ و ظروف العمل مغرية. ما الذى بقى لى هنا يا "أشرف"؟ الأهل مشغولون فى حالهم و الأصدقاء شبه معدومين فى حياتى. معظمهم مجرد معارف. أنت صديقى الصدوق و صداقتنا كانت مهمة لى وقت ضعفى و انعدام ثقتى بنفسى، و هى التى حفزتنى أن آخذ تلك الخطوة.

-        كانت؟

-        لا أقصد ذلك.. انا فقط اتحدث عن صداقتنا فى الفترة السابقة من حياتى.

-        و الآن... صداقتنا لم تعد مهمة؟؟

-        بالعكس. مازالت بنفس أهميتها لدى و لكن قربنا أصبح خطرا على كلينا. فأنت تريدنى و لا تستطيع الارتباط بى. و أنا الأن على استعداد أن يدخل رجل فى حياتى. لم أكن مستعدة قبل ذلك، لكن الآن أستطيع. 

-         رجل؟؟ إذن هناك رجل بالفعل!

-        (ضاحكة) لا تخف، لا يوجد أحد. وهذه هي المشكلة. لا يوجد أحد فى حياتى، ولن يوجد أحد فى أثناء وجودك. لابد أن أبتعد قليلا حتى يتسنى لى أن أنظر حولى، أن أرى غيرك وغير طليقى .

-        هل حاول العودة لك من جديد؟

-        هو يحاول دوما، و لكن فليحاول أبد الدهر، لقد سقط من نظرى و لو لم يبق على وجه البسيطة غيره لن أعيد الكرَّة و أتزوجه. لا يلدغ مؤمن من جحر مرتين.

-        و هل ستجدين رجلا آخر فى السفر؟

-        ممكن. قد يحدث هذا فعلا. لكن الأهم من ذلك أن أجد نفسى. إن وجدت نفسى سأجد ذلك الرجل.

-        و انت لا تستطيعين أن تجدى نفسك هنا؟

-        لقد جُرِحت هنا، والتأم جرحى هنا. و لكى أبدأ من جديد لابد أن أختار نقطة بداية جديدة. هنا طليقى و هنا أنت، لن استطيع أن ألتفت لرجل آخر فى وجودكما. لابد أن أرحل. أصدقني القول يا "أشرف"، تخيل أن جاءنى اليوم عريسا و أعجبت به و قررت الارتباط به فعلا، ألن يكون صعبا، بل مستحيلا، أن أتزوجه و نحن على علاقتنا الوطيدة تلك؟ و إن تحملت أنا ذلك التغيير الجذرى فى حياتى لرغبتى فى ذلك، هل تتحمله أنت؟

طأطأ أشرف رأسه دون رد.

-        بالظبط... لأن ذلك مستحيل فلن أفعله. لابد أن نبتعد و أن نأخذ فسحة من الوقت كى نستطيع أن نقدم على دخول مرحلة جديدة من حياتنا. ولا تنس أنك متزوج بالفعل. أدرك أن زواجك كان قبل معرفتنا بسنوات طويلة. لذلك لا ألومك عليه. لقد دخلت حياتك و أنت زوج و أب. أما إذا تزوجت أنا الآن فسيذبحك زواجى و سأشعر كما لو أننى طعنتك برجل آخر. و أنا لا أستطيع أن أفعل ذلك بك.

- .................

-        أشرف، هل تعتقد لو كنا التقينا و أنت أعزب أنه كان بإمكانك أن تتزوج من غيري؟ 

-         بالطبع لا. لو كنت عازبا و كنتِ انتِ فى حياتى كنت تزوجتك على الفور، و بلا تردد، و لو كانت أمامى كل نساء العالم. كم كنت أود ذلك.

-        كذلك لن أستطيع أنا أيضا أن ارتبط برجل آخر و أنت أمامى طوال الوقت.

ظل "أشرف" صامتا و عيناه تشبهان علامتى استفهام كبيرة.

-        إذن، نعود لنقطة البدء. أنت رجل متزوج و هذا يقف أمام ما نريد. وأنا لابد أن أعيش و أن تستمر حياتى و أن تكون لدى أسرة مثلك. فى نهاية المطاف يغلق باب غرفتي عليَ وحدى كل ليلة. لا أنيس و لا جليس، و لا حبيب أرتمى فى حضنه الدافئ فى ليلة باردة مثل هذه. أما أنت فتذهب إلى حضن أولادك و زوجتك كل ليلة. و ماذا عنى؟ هل أظل وحدي حتى النهاية؟ انا التى لم تجرم بحق أحد أعيش كالمنبوذين؟ وحدى؟ أنتظر أن تنتهى من عملك كى تحدثنى بينما زوجتك نائمة، أو أثناء غيابها وعدم وجود الاولاد حولك! لماذا؟ لماذا؟

انحدرت دمعة على خديها فأسرعت بتناول محرم من فوق الطاولة لتمحوها.

-        إهدئى يا مها. إهدئى.عندك ألف حق. أنا آسف.  نحن الرجال أنانيون. نريد أن يبقى من نحب رهن إشارتنا، و أن يخلد لنا نحن فقط. لك كل الحق أن تبدئي حياتك من جديد، و أن تسعدى من جديد، مع رجل جديد. خاصة و أننى كما قلتِ رجل متزوج. و صحيح، أنا أخشى زوجتي، أخشى رد فعلها، أخشى أن أهدم بيتى الذى بنيته، أو أن أخسر أسرتي. أنا آسف.

رفعت مها عينيها فى قوة وديعة أليفة صوب "أشرف" و قالت:

-        لا تتأسف يا أشرف. هكذا جرت المقاديرو لا يوجد بأيدينا شيئا نفعله حيال الظروف. و أنا لا ألومك على أى شئ، بل أشكرك على كل ما فعلته، و مازلت تفعله من أجلي، و على صراحتك معى.

-        لا مجال للشكر بيننا يا حبيبتي، فأنت تعلمين أنني أعني كل كلمة قلتها لك و أستمتع بكل لحظة أكون فيها بجانبك. لقد جلبتِ لحياتى شيئا عزيزا وسط سخافات الحياة. مشاعري ناحيتك كانت دوما تُجَمِّل أيامى. من بين كل النساء اللاتى عرفتهن كنت أنت النقطة البيضاء وسط زخم من الألوان القاتمة. و لن أخسرك مهما كانت الظروف، و لن أضحى بسعادتك مهما كان الثمن.

-        هذه أول مرة تقول لى "يا حبيبتى" بهذه الطريقة.

-        لأننى أول مرة أعيها و أشعر بها بهذه الطريقة. يبدو أننى كنت أحبك طول الوقت دون أشعر.

-         و ما الفائدة؟

-         صحيح، ما الفائدة؟

هل انتظرت "مها" منه ردا غير ذلك؟ هل توقعت أن يأخذها "أشرف" إلى المأذون ليعقد قرانه عليها من فوره؟  أم اعتقدت أنه على استعداد أن يتحدى نفسه و أن يستجمع شجاعته و يخبر زوجته أنه يحبها و يريد الزواج منها؟ أم توهمت أنه سيترك أولاده و يهدم بيته كي يهبها حياته و حبه و اهتمامه؟

أيا كان ما دار بعقلها فى تلك اللحظة، فقد انهار أمام رده العاجز البائس، "ما الفائدة؟" بالطبع.هل يفيد اجتماع  شقين بعد أن أبعدتهما الأقدار؟ هل يفيد تلاقى الزهرة بجذورها بعد ان اجتثت منها؟ هل يفيد أن تبث الهواء فى جسد فارقته الحياة؟

زفرت "مها" زفرة مشحونة بمعانٍ هى خليط متضارب من الحب و الغضب و الشجن و القهر و الحرمان و اللين و الحسم، و أتبعتها قائلة:

-        إذن ستأخذني إلى المطار وقت يحين موعد سفرى، أم أودعك الأن قبل أن ننهى عشاءنا؟

-        (موجوعا) بالطبع. فقط اخبريني بموعد السفر و ترتيباتك و سأكون معك حتما.

نظرت "مها" لـ"أشرف" بارتياح فيه مسحة من شجن. ثم سرحت بخيالها قليلا في مستقبل أيامها المبهم. هى لا تعلم شيئا عما سوف تواجه فى غربتها و فى عزلتها تلك، ولكنها تتمنى شيئا واحدا، ألا وهو أن تجد ذاتها. تلك هى مهمتها القادمة. هى تدرك تمام الإدراك أن كلها إصرار فى أن تختار مقدرات حياتها بناءا على تلك الذات الجديدة القوية التى، حتما، ستجدها. تعلم "مها" أن الآتى لن يكون أسوأ مما مضى بأية حال، و أن ما بقى فى عمرها هو لها لا محال؛ و أن من يدخل حياتها صديقا أو حبيبا أو زوجا سيكون مكملاً لها لا أساسا ترتكز عليه كينونتها و يعتمد عليه بقاءها. لقد أختارت لها الظروف الشخص الخطأ حين كان الوقت ملائما، ثم أخطأت الظروف مرة أخرى فى اختيار الشخص المناسب لها فى الوقت الخطأ. لذلك ستسعى لتتأكد أن تكون هى من يصنع الظروف و من يختار فى المرة القادمة.

 اعتدلت "مها" فى جلستها و انتبهت لـ"أشرف" مرة أخرى و قالت له مبتسمة:

-                 فلنكمل الشاي إذن. 

أطرق "أشرف" بصره و سكت هنيهة ثم  تناول فنجان الشاى خاصته و نظر فى عينيها و تمتم:

-                فلنكمل.

 

###تمت###

  

 

Sunday 23 July 2017

نحن لا نتحمل الألم



نحن لا نتحمل الألم

تناولت "ف" آخر حبة مُسَكِن فى حقيبتها لتهدئ آلام الصداع المزمن الذى يلاحقها. ابتلعت الحبة الصغيرة و شربت بعض الماء و ظلت صامتة لعدة ثوانٍ فى انتظار أن  يظهر مفعول المُسكِن. جال بخاطرها و هى فى انتظار أن تعود لحالتها الطبيعية بدون آلام الصداع المزعجة سؤال عابر تلته أسئلة أخرى: كيف كان أجداد اجدادنا يواجهون إحساس الألم قبل اختراع المسكنات و الأدوية العلاجية التى تبرئ الأمراض المسببة للألم ذاته؟  هل كانوا أقوى منَا أو أكثر تحملاً؟ أم أن ما يؤلمهم لم يكن هو نفس الذى يؤلمنا؟ الأمراض واحدة و الأوجاع تظل أوجاعاً و لكن هل كان البشر بالأمس غير اليوم؟ هل كانوا يتحملون الألم أفضل منَا؟
حدثت نفسها أن ربما كانت لهم علاجاتهم الخاصة بهم و بزمانهم، مثل الأعشاب و خلطات العطار أو حتى تمائم سحرية و أحجبة خزعبلية يسطر ما بها من طلاسم أناس مباركون لهم جلال و سطوة على ممالك أخرى لا نعلم عنها شيئا و لا نراها.
ابتسمت ابتسامة عابرة و تمتمت: " يالهوى... سحر بقى و خزعبلات.. الصداع ده بيجيب حاجات غريبة فى دماغ الواحد." ضحكت ضحكة قصيرة ثم أمسكت رأسها الذى لم يكن قد برأ تماما من الصداع و إن كان  قد بدأ يشعر بشئ من الراحة من ذلك الألم المقيت.
"الحمد لله"
شكرت "ف" الله على نعمة المسكنات و الدواء، فبدون تلك العلاجات كيف كانت حياتها ستبدو اليوم! عالمنا الآن عالم سريع الخطى، ثقيل الأعباء و بدون تلك العلاجات كيف يمكننا أن ننجز شيئاً فى عالم ينتظر منا كل يوم الكثير و الكثير؟ نحن نستيقظ فى الغالب على موعد عمل او دراسة، ثم نذهب إليها فنجد من ينتظر منا الجد و العمل و الإنجاز و التحصيل والتفانى، ثم ننتهى من أشغالنا فنذهب إلى بيوتنا حاملين أشياءا اشتريناها فى الطريق و نحمل هموماً اكثر بعضها يرتبط بما تركناه فى العمل أو مكان الدرس و البعض الآخر يرتبط بما نحن على وشك أن نلقاه فى بيوتنا. أبواب البيوت تخفى الكثير و نوافذها لا تكشف أكثر مما تحفظ.
تنهدت "ف" و هى تصعد سلم المنزل. لم يعد رأسها يؤلمها و لكنها مجهدة. كانت تحمل بعض الخضروات و كيس أرز و زجاجة مياة غازية من الحجم العائلى. هى تريد أن تصنع طعام الغذاء بسرعة كى تنهى باقى أعمال المنزل على عجالة قبل أن ياتى زوجها من عمله. و فى تلك الأثناء تستقبل أبناءها لدى عودتهم من المدرسة و تطعمهم و تبدأ معهم فى تفريغ حقائب المدرسة المتخمة بالكتب و بقايا الطعام و ملابس الألعاب... و غير ذلك. و فى الوقت الذى يبدءون فيه الاستذكار تكون هى فى المطبخ تعد لزوجها طعام الغداء. تذهب بسرعة إلى الأولاد لتتابع تقدمهم فيما يفعلون و توبخ أحدهم- أو ربما كلهم- على عدم الالتفات لما بين يديه وعلى استهتاره بالدراسة، ثم تبدأ فى مراجعة الواجبات سطراً سطراً و تسميع الأناشد و النظريات و نصوص الدين و الأدب لكل طفل على حدىً. يرتاح زوجها فى تلك الأثناء من تعب اليوم، يغيب بجسده عن أسرته الصغيرة بضع ساعات يشحن فيها طاقته للنزول مساءاً على القهوة التى لا يعود منها إلا بعد منتصف الليل و هو منتشٍ من شرب الشيشة و لعب أدوار الطاولة. و لكن صوت "شخيره" لا يغادر زوجته و اطفاله وقت الدراسة ووقت نومهم. صار صوت شخيره العالى مثل الموسيقى الخلفية التى يمثلون فى حضرتها أدوارهم اليومية المعتادة. و فى الليل يكون الأطفال قد ناموا قبل والدهم بالفعل فى الغرفة المجاورة فلا يزعجهم شخيره فى شئ. أما "ف" يبدأ صداعها الليلى فتغفو هنيهةً و تستيقظ على صوت شخير زوجها بعدها، و تظل على تلك الحال حتى الصباح. هى دائما تستيقظ قبل أن يخبرها المنبه البغيض بضرورة الاستيقاظ برنته المزعجة. كل يوم تنظر إليه بعين يملؤها الغضب و الحزن و التعب و عدم الاكتراث. سوف استيقظ و أبدأ يوماً جديداً و شقاءاً جديداً  و صداعاً جديداً...
"صداع... برشام الصداع خلص امبارح و لازم اشترى قبل ما اروح الشغل"  تحدث "ف" نفسها بذلك قبل أن تنهض مسرعة لتفعل كل شئٍ فعلته بالأمس، بل كل شئ فعلته على مدار الخمسة عشر عاماً السابقة فى حياتها تقريباً منذ أن تزوجت و أنجبت. أصبحت تتحرك بشكل أوتوماتيكى و أحيانا بدون وعى. إنه الألم فقط الذى يذكرها أنها مازالت إنساناً. و حتى ذلك الألم الذى يشعرها أن لها بدناً له حق عليها تحاول دائما أن تسكته و أن تسيطر عليه بالمسكنات. إنها لا تستطيع ان تتحمل أن تشعر بذلك الألم فذلك سوف يجعلها ترغب فى أن تستريح و أن تترك روتينها المهلك و أن  تبتعد قليلا عن زوجها و عن أولادها برغم حبها لهم، و إدراكها بمدى احتياجهم له. كيف تبتعد؟ كيف تترك؟ كيف تستريح؟ كى تخرس تلك الأسئلة داخل رأسها المتعب تحرص دائما على أن تخرس الألم داخلها.
فى الصيدلية القريبة من محل عملها، خاطبت الشاب العشرينى  الذى اعتاد رؤيتها كل أسبوع أو أسبوعين على الأكثر:
" من فضلك عايزة علبة كيتوفان .. كبسول... اتفضل... شكراً."
وضعت "ف" علبة المسكن داخل حقيبتها بعد ان اطمأنت لوجودها معها، و توجهت إلى مقر عملها القريب من الصيدلية بعد أن ادركت أنه ليس لها غير أن تستمرعلى ما هى عليه، و بعد أن تيقنت أنها ستتمكن من ان تكبح ذلك الالم داخلها بالمسكن، الألم الذى يحرك داخلنا ثورة الغضب و الانتقام للنفس و الجسد. لقد أدركت بعد كل تلك السنوات انها لا تستطيع أن تتحمل ثمن ان تتألم و أن تشعر، فنحن لا نتحمل الألم.

                                               ###

نهى حجاج
23 يوليو 2017

#Noha_Haggag
#نهى_حجاج


Saturday 1 July 2017

In a Wilderness of Heaven




I am standing alone on a cliff over the sea
I am really doing this, that is really me
For once I feel that I can be what I want to be
And all the beauty of the world; my eyes can see.

Here is the Sun in the water, taking a shower
Calm and serene; glorious as ever
I can see the waves hurling after each other
Just like babies move hither and thither.

I can see the birds hovering in a blue sky
Dancing in the air. I heave a sigh
They are free and so am I
Yet, I stand still while they squeal and cry

That was at dawn, now it is noon
And I am still lying down on the cliff all alone
The light of the Sun on my body lies prone
I am like the queen of this great stone

Here goes the sun to her bed
And the sky is coloured almost red
"I must leave now", I have said
But I am staying. That is what I intend.

Here comes the moon with its shiny stars
And the waves still move like crazy cars
I am no longer on Earth, maybe on Mars
I am no longer behind my bars.


Before I jump I throw a glance
there stands the cliff and the waves still dance
Here they come flapping; the dawn's fans
Here I stayed, here I go, here I Bounce

###

By: Noha A. Haggag


- first written circa (1998-2002) and published in Teen Stuff magazine.
- Date modified and published on Pinklane: 2nd July, 2017.

Wednesday 21 June 2017

I Feel Safe

I do not have the strength to fight back...
I do not have the inspiration to go through tough times...
I am not ready to cope
By all means
Not any more
To fight my demons...
To accept fate...
All I know is that with
All my weaknesses
All my fragility
All my resentment
All my sensitivity
I am going to do the right thing
My vessel is going to embark on 
A safe haven
Some day I'll no longer hold
This heavy burden on my shoulders
 Nor fear these dark shadows
Lurking at the back of my mind
And all.. all will be fine.

###
Noha Haggag
22 June, 2017 

Servants in Victorian Britain Vs. Royal Arab Gulf

As I was watching a documentary titled "Servants: The True Story of Life Below Stairs. Part 1 of 3 - Knowing Your Place." I could not help but relate it to an experience I have witnessed in a royal Arab household; not as a servant, though, but as a private tutor. The details that caught my attention in the documentary denoted a lucid similarity between the army of servants in one British household and the mansions and households of royalties in the Arab Gulf. Generally speaking, the similarities were between the two eras themselves and whatever may have been related to them. According to Dr. Pamela Cox, Essex University, grand country houses sprung all over Britain in the second half of the eighteenth century and the fist half of the nineteenth as a result of the what she calls "the new wealth of the British Empire and the Industrial Revolution". A similar situation marks the abrupt prominence of wealthy households in the Arab Gulf. (I will be referring to it as the Gulf from now on). The Gulf and its dominating families which rules its countries were fortunate to have "oil"in their lands. Prior to the discovery of oil in the Gulf, history tells of a Bedwian, nomadic lifestyle that prevailed in the whole territory. Arabs in the Gulf did not have the concept of building mansions or using a sewage system; even having water taps in their vicinity was considered "haram" or blasphemous as Dr. Aisha Abdel Rahman tells the readers in her book "Land of miracles". That book she wrote was about her experience as an alumnus in a scholarship programme in the Egyptian University on the outset of the year 1951. As a part of that programme, students were allowed either a visit to the holy land to perform pilgrimage or a visit to the Sudan. The description of people in the Gulf at that time is quite bewildering since their heritage, religion and traditions were mixed  with every aspect of their lives. The results of such a mixture varied between the extremes of being utterly noisome, and completely hilarious. Nowadays, the Arabs of the Gulf's attitude is somewhat refined and modernized. Yet, the three elements of: heritage, religion, and traditions still tamper with their manners and attitudes towards each other, as well as foreigners. 
Hierarchy seemed to be a necessity of life in Victorian England, and is an indispensable trait of the life of the monarchy in the Gulf. In the documentary, Cox goes to Erddig Hall, Clwyd, to investigate more about the Victorian subject. A huge residence with minute intricacies that require the utmost care. Very similar to royal households in the Gulf nowadays, which contain an abundance of very extravagant and precious items. The Victorian elite and the royal Arabs share the same attribute of wanting to look lavish, and having a well-kept property at all time. The size of the property itself, is quite crucial for both lifestyles of the Victorians and Arabs. Their mansions and households are known for having a great landscape where botany mattered immensely. The inside of their households encompassed a myriad of rooms for multiple purposes. Their kitchens are huge and well-equipped. However, the servants's hierarchy was much more apparent in the Victorian era. The servant had posts such as: butlers, coachmen, footmen, housekeepers, head housemaids, housemaids, cooks, kitchen maids, dairy maids, scullery maids, laundry maids and hall-boys . Another form of hierarchy also took place apart from the servants', which included governors, head nurses, under nurses, ladies's maids and valets. In the Gulf, with the advent of technology, there is no need for dairy maids, laundry maids, coachmen and footmen; but there is still a need for all sorts of maids and servants without the same process of giving them job titles. It is enough to know how close a servant is to her master or mistress to know exactly their position in the unnamed hierarchy. Also in the parallel hierarchy there is no necessity to have a head nurse or an under nurse; high ranked hospitals can do the job even better. 

In Victorian England worked for approximately seventeen hours per day. In the Arab Gulf, servants do not work less than that, but even more. They are summoned at any time for the convenience of their masters. 

For the same purpose, many of the servants actually live in the main household, to be close to their employers; a privilege not all servants enjoy. Having outhouses to serve the main household is a necessity by all means. In these outhouses, some of the house chores are to be done, in both Victorian England and the Gulf. Moreover, servants of lower ranks can sleep and have their own wardrobe. In Victorian England only the butler, the housekeeper and the other high-ranked servants in the hierarchy could have their own rooms in the main household; a privilege Gulf servants are not entitled to in the main household. Normally in the Gulf, chief servants -as well as some of the minor ones serving children royalty- have a mattress thrown somewhere in the corner awaiting to e summoned at any time, then in their rare free time they go to the outhouse servants' quarter where they can enjoy the luxury of having their own bed in a small room with so many beds and a couple of wardrobes when they can all stash their few possessions and their travel suitcases.
Mentioning suitcases, brings a horrible fact to mind concerning the nature of the serving staff in both case. While servants in Victorian England were mainly British from a lower caste, servants in the Gulf are never Gulf citizens. Gulf royalty and citizens in general hire foreign servants from countries like: Indonesia, the Philippines, Malaysia, and Bangladesh. In some rare cases the servants can be Arabs from countries like: Morocco,(and recently Syrians); and and in other rarer cases they would be Egyptians. And normally the Arab servants have the top-hierarchical positions in the household; most probably because they come from a close background to their employers and there is no language barrier between them which renders communication quite comfortable. In all cases, British servants in Victorian England and foreign labour in the Gulf household are naturally looked down upon by their masters and even outsiders. The only difference is the the British took bride in their army of servants and used to honour them collectively by taking photos of the serving staff and by writing poems in their praise. 


There are many points to cover in this video, but I shall wait to get a response from you, blog readers and followers, such points are:


- Household manuals (7:50 in the video)

- Difference in pay between servants in Victorian and Arabin Gulf households (14:20)
- Servants' uniforms in Victorian England and the Gulf 

Hope to get your feedback soon :)


(TBC)


Noha Haggag

First published: 21 June, 2017.
Edit 1: 9 June, 2020.

video link on Youtube: https://www.youtube.com/watch?v=wqiMASk5MIU

Thursday 15 June 2017

A Balloon Safari





Life is full of contradictions. Good and evil. Sweet and bitter. Easy and hard. Me and my ex. It is so strange how sometimes opposites look confusingly similar; and oddly attract.





It’s been about two years since we broke up, and day by day things seem clearer to me. The impossibility of us being together strikes me to a T. Is it love that impedes our intuition? Or is the hope of beginning a new life with new options which entices us to go on and never mind the “minor” differences and cons? Is it the warmth of this inner feeling called ‘love’ that overwhelms relationships at the beginning, and lures us to continue being the lambs we choose to be, driven to the altar of sacrifice? Or betrayal? I do not know exactly what happened, and what my motivations were, but I remember being deeply and stupidly in love. These things happen, you know!
It was when I found out about his other affairs when I got the first slap on my unwary cheek. I had never seen that coming but the blow shook me to the bones. It woke me up. All of a sudden things did not look the way they were. I had to let go and never lag. It was not worth it any way. It was not worth the wait, the pain, the confusion and the bitterness. I did not want to go into that phase of blaming myself and asking a million questions revolving around “what went wrong?” It was not worth it because he cheated. Had he confronted me with whatever he thought was wrong, I’d have bothered to go through the process. But he opted for cheating, and I … I opted for leaving. Oprah once said in her show: “If the horse is dead, leave the carriage”. I left that dead horse and got out of the carriage and a new life was dawning on me.
“Single and proud” has never been my motto in life. One should never be proud of something he cannot control. By the same token, “committed and proud” is never a motto. But if you are happy in either case, you are a winner. Pride has nothing to do with one’s relationship status; but happiness does. I can’t say that I am a hundred percent happy, though. Who is? But I am happy. Happy enough to know that life is worth living. Happy enough to realize there is more to life than having to commit to someone who is not committed to you. Happy enough to understand that I deserve something better.

Isn’t it odd how the two words “bitter” and “better” look a like! You just have to remove the “I” and replace it with “E” to end up with a totally different meaning. I removed the “I” not only from my bitter past, but from my life in general. It is better all the way now. I look for better options, better quality of things I buy and use, better ways to do my job. I forgot to tell you I am a government employee. I work at the University Administration office. Many students come by everyday. They are young and hopeful. They have high hopes of fulfilling their individual dreams one day. I like it. I like seeing them. Their optimistic view of life spurs many positive ions into my veins. I end my day not feeling exhausted but refreshed. It’s as if I get a blood transfusion on daily basis. Unlike my colleagues who look fatigued all the time and… sad. Most of them are married, but there are some who are still single like myself. I do not think marriage is to blame here. Then, why do I feel different from them? They sometimes tell me they envy me for looking good and being so energetic almost all the time. I have my down moments, too, you know. I attribute this to my past; or maybe my attitude towards my past. I have been through some hardships like every one of us, but I chose to learn from them. After all, what doesn’t kill you makes you stronger. No body is perfect. I am not perfect. I sure did some mistakes in the past but I know I am not going to repeat them. No..No. Do not get me wrong. I am going to love again but I won’t choose my significant other based on the same criteria I used when I chose my ex. Different options always lead you to different results. And I am headed to totally different options, different people; even different places.
I do not want it to look that simple, though, because I do not want you to get the impression that this has been an easy process for me. I went through a lot of agony, lonely times, and a brief period of depression. That’s when I decided I cannot go on with this any longer. Life is not one person (including myself). Life is not about me or someone I love. It is about more of us. It is a journey; and when someone is on a journey they are normally accompanied by other people and multiple equipment. I like to think of life as a balloon safari. You blow some hot air in the balloon. You rise up in the sky. The higher you go, the smaller landscape gets. You get a perfect view of the whole landscape, and see your life for what it really is. Isn’t it weird how things look clearer from afar? It is to me. Then, if you want to go higher on a balloon, you have to throw away some weight. To go even higher, you throw away more weight. But if you want to come closer, you must decrease the heat. And as you get closer, you see more details and everything is bigger once again.



Life is full of contradictions. Big and small. Hot and cold. High and low. This is how things attract. This is how life works.


Noha Haggag



Thursday, 15 June, 2017


x