Tuesday 1 November 2016

فتِش عن الرجل (2)





(المشهد الأول)

(امرأة عشرينية جميلة تجلس فى غرفة جلوس بشقتها الفخمة بالعليا- إحدى مناطق مدينة الرياض بالمملكة السعودية. ثيابها تدل على غنىً واضح و ذوقٍ عالٍ. تأتى خادمة تبدو من ملامحها انها من احدى الدول الشرق آسيوية. تضع الخادمة صينية بها كوب كبير من النسكافيه و بعض الحلوى أمام صاحبة المنزل و تغادر فى هدوء. تتناول هى كوبها من النسكافيه بيد و تمسك هاتفها الخلوى بيدها الأخرى متحدثةً إلى شخص ما على الخط الآخر.
-          هلا حبيبى. ايش لونك؟ عساك بخير انشالله
إى.. انا تمام. مِتى بترجع؟  جول و الله! بعد يومين؟! هذا أحلى خبر سمعته اليوم
ترجع بألف سلامة حياتى.. اتوحشتك كثير كثير انتظرك على أحر من الجمر
فى أمان الله حبيبى.. لا إله إلا الله

تهب الحسناء من جلستها و هى فى قمة السعادة و تذهب على عجالة إلى غرفة نومها كى تحضر ملابسها و زينتها كى تليق باستقبال زوجها بعد عودته من سفره فى ظرف يومين. و تحدث نفسها قائلة:
-          وِش بتلبسين يا نوف؟؟ وِش الى بيليق بحبيك فهد؟ و الله لا ألبس له أحلى الثياب و أحضر كل غالى و ثمين. و الله انك وحشتنى يا فهد. أول مرة تطَول فى السفر كِذا و تغيب عن حبيبتك نوف. انشالله ماتنعاد السفرة الطويلة هاذى.
كان فهد قد سافر منذ حوالى أسبوعين فى رحلة عمل الى ماليزيا كانت هى الأطول منذ زواجه ب "نوف" قبل عامين. لم تعتد "نوف" على بعده عنها اكثر من يومين او ثلاث على الأكثر. تكره الوحدة فقد كانت الوحدة رفيق ثقيل الظل لها دوما.
تطلعت "نوف" الى صورة زفافها هى و "فهد" على كومود بجانب سريرها... ما أحلى ذلك اليوم. كان يوما جميلا بكل تفاصيله. تحضيرات العرس المرتبة و فستان زفافها المصنوع فى فرنسا و تفاصيل بيت الزوجية المكتملة قبل الزفاف كما أرادتها تماما. كل شئ كان يفرحها، و لكن ما جعل فرحتها الضعفين هو وجود والدتها بجانبها ذلك اليوم.  لطالما اشتاقت نوف لأمها "منال". ظروف كثيرة فرقتهما بعد ان كانتا لا تفترقان.. هى لا تدرى بالظبط ما الاسباب الحقيقية التى أدت لطلاق والديها و لكنها تعرف انها تزوجا عن حب... ليس مثل زواجها من "فهد" الذى كان زواجا تقليديا نشأ بعه الحب ... دائما كانت تسمع من امها تلك القصة الساحرة التفاصيل. قصة حب "منال" و "عبد العزيز"

المشهد الثانى
(قبل خمسة و عشرون عام.. المكان: منزل سعودى أنيق فى حى السليمانية، حى راقٍ بالرياض.  تجلس شابتان جميلتان فى غرفة جلوس راقية التفاصيل. تتحدثان بكل مودة و عفوية)
منال: انتى مش هتبطلى نشوفية دماغك دى يا حصة. قلت لك مليوم مرة احنا لا هنتجوز و لا نشوف جواز عن حب طول ما أهلى و أهلك دماغهم محجَرة كده.
حصة: إى و الله. ترى اللى يشوف أهلك و أهلى ما يجول ان أهلك مصريين. صدق. كأنهم عمرهم كله بالسعودية. خروج بحساب. صداقة مع البنات فى حدود. ممنوع كلام مع شباب. ممنوع تأخير حتى لو مع صيقتى. ممنوع ميك أب إلا بالمناسبات. ممنوع...ممنوع.. و الله يبطون الكبد مثل أهلى.. (تضحك مقهقهة)
منال: لكن الأغرب من أهلك و أهلى .. انا وانتى... انتى رافضة كل الممنوع اللى اهلك بيقولوه و ناقص تروحوا القسم من كتر المناقشات اللى بتدخلى فيها معاهم. و انا مستسلمة لأهلى و متقبلة الممنوع و المحظور و معنديش اى مشكلة. اللى يشوفنا يفتكرك انتى اللى مصرية و انا السعودية. (تضحك محاولة الا يعلو صوتها خارج حدود الغرفة)
و فى أثناء حديثهما و ضحكهما الرقيق... يطرق الباب و ينتظر الطارق رد الجالسات بالغرفة. فترد حصة معتقدة ان الطارق احدى الخادمات.

حصة: ادخلى
عبد العزيز: انا عبد العزيز حصة
منال: (تشعر بالارتباك و الخجل)
حصة: عادى اقول لعبد العزيز خوى يدخل منال؟
منال:  (مرتبكة) اه طبعا .. عادى.. مفيش مشكلة يا حصة.
حصة: تعال خوى. اتفضل
(يدخل عبد العزيز الغرفة على استحياء)
عبد العزيز: كيف حالكم بنات؟ انشالله بخير "منال"؟
منال: (ووجهها يقطر خجلا) الحمد لله يا عبد العزيز.. يارب انت كمان تكون بخير.
عبد العزيز: الحمد لله.. انا جيت اسلم قبل ما أنزل. بلغى والديكى تحياتى و سلامى منال.
منال: يوصل ان شاء الله.

 ..وجه عبد العزيز كان متهللا و يبدو عليه كل السرور و الارتياح. ولم لما و قد رأى وجها يحبه كثيرا و روحا يعشقها فى صمت. أليست الجالسة مع اخته هى "منال" ، صديقتها الجميلة الرقيقة عروس نيل مصر التى طالما سمع عن سحرها و سحر نيلها من أبيه رجل الأعمال السعودى سليل الحسب و النسب و أكبر عائلات المملكة؟ أليس هذا الوجه هو الذى يملأ قلبه فرحا و غبطة و سرورا؟ أليست تلك فتاة أحلامه التى مازال يذكرها مذ كانت فى المرحلة الثانوية صديقة لأخته و اخته صديقة مقربة لها؟ اليست تلك منال ابنة الدكتور "شوقى عبد الله" من أكبر و أفضل الأطباء المصريين اصحاب السمعة الطيبة و الذى يذهب اليه والده شخصيا و اكابر الشخصيات العامة بمدينته و من المدن الأخرى فى كافة انحاء المملكة؟؟أليست زوجته - والدة منال- السيدة الفاضلة احدى صديقات والدته المقربات و التى تعامله دوما كإبن من أبنائها و تكن له- كما يكن لها- كل مودة و محبة؟

لاحظت حصة فى الفترة الأخيرة  ان النظرات المتبادلة بين منال و عبد العزيز ليست نظرات عادية.. كان الحب يشع من كل تفاصيل وجهيهما.. ما أجمله.. حصة فى قرارة نفسها تشعر بالسعادة و لكنها لاتستطيع إحراج صديقتها و مفاتحتها فى الموضوع قبل أن تفاتحها هى أولا. و كذلك لا تستطيع ان تتحدث إلى أخيها عبد العزيز الذى يكبرها بنحو خمس سنوات حتى لا تُحرج هى شخصياً. و لكنها كانت هى الوسيط الغير معلن للقاء المحبين. دائما كانت تذهب الى منزل "منال" قبل سنوات للاستذكار و قضاء وقت طيب مع اسرة منال بعلم اهلها... و لكنها عندما شعرت بتلك المشاعر الجارفة بين اخيها و صديقتها لم تقف عائقا أمامهما بل كانت تكثر فى دعوة منال الى منزلهم حتى يتسنى لعبد العزيز رؤيتها فى اطار أسرى يليق بهما بدون احراج او اى شبهة تؤذى أيا منهما.
تلك هى العادات و التقاليد التى تمقتها حصة... لا يجوز للراغب بالزواج الجلوس مع من يحب او يريد الارتباط بها.. لا يمكن ان يتحدثا الا قبل "المِلكة" او "عقد القران" كما يقال عليه فى مصر. مستحيل ان يخرج الاثنين سويا الى اى مكان عام قبل الزواج.. و اى لقاء لابد ان يكون فى بيت اهل العروس و بحضور اهلها. محاذير و أوامر و أصول لا تستطيع حصة او غيرها من البنات الحيدعنها. كثيرا ما سمعت حصة عن زيجات تمت بتلك الطريقة و كانت عواقبها وخيمة... فالفتاة لم ترى خطيبها – او زوجها فيما بعد- او تتحدث معه بالقدر الكافى الذى يتيح لها فهم شخصيته و تقييم سلوكياته. و احيانا أخرى كان الشاب هو الذى يشعر بالخديعة و الفشل حينما يتزوج من فتاة عن طريق خاطبة او عن طريق احدى سيدات العائلة و بعد الزفاف و العشرة لفترة طالت او قصرت يكتشف كم كانت تلك الفتاة تافهة و ذات عقلية سطحية لا تهتم الا بنفسها و زينتها و كل ما تفقهه عن الزواج هو السرير و الزينة و الحياة الوردية و التسوق ثم التسوق. و غير ذلك الكثير. لذلك، اخذت حصة عهدا على نفسها ان تكون عاملا مساعدا فى تحقيق معادلة "قصة حب" اخيها و صديقتها و ان تظل معهما، تساندهما و تزلل لهم سبل اللقاء العابرة كلما سنحت الظروف ...  الى ان يتم المراد من رب العباد.

المشهد الثالث
(بعد عشر سنوات – المكان: منزل عبد العزيز.. داخل غرفة نوم ابنته "نوف" )
عبد العزيز: صباح الخير حبيبة بابا
نوف: صباح الخير يوبا.
عبد العزيز: كيفك حبيبة بابا عبد العزيز؟
نوف: بخير يوبا. اليوم بروح لماما منال؟ إى؟؟
عبد العزيز: (مهموما) إى حبيبة بابا... عمتك "حصة" بتيجى اليوم تاخدك عند ماما. تبغين شى اجيبولك قبل ما تروحين؟
نوف: بس أبغى تشترى لى العروسة اللى جلتلى بتجيبلى اياها امس
عبد العزيز: من عيونى حبيبة بابا.
(تدخل الخادمة لتجهيز "نوف" للخروج)
عبد العزيز يخرج من الغرفة و يأخذ مفاتيح سيارته ليذهب متوجها الى محل الالعاب القريب من سكنه كى يشترى الدمية التى طلبتها نوف. و فى طريقه الى المحل لعبت ذاكرته نفس اللعبة الدنيئة معه، فقد أخذته الى الوراء قبل حوالى العام. تذكر انه قبل عام كان ينعم بحب زوجته و حبيبته "منال". كانت "منال" ما تزال تقطن معه بيته الذى بات يسكنه وحده هو و "نوف" ابنتهما. قبل عام كانت حياتهما مستقرة هانئة منذ ان تزوجا. لا جدال بينهما و لا خلاف حقيقى... فقط حب وود و سعادة... و زانت حياتهما "نوف" اول البخت و ثمرة الحب الرومانسى الذى امتد على استحياء لسنوات قبل الزواج. حياة مثالية كما كان يراها الجميع... او هكذا كانوا يعتقدون... لم تكن "منال" تعتقد ذلك... بل كانت تتعذب كثيرا طول سنوات عديدة و لكن لم تخبر احدا وقتها... فبعد فترة وجيزة من زواجها من "عبد العزيز" و مباركة الاهل و الاصدقاء هذا الزواج الميمون، تكشفت لها أشياء لم تكن فى الحسبان. لم تمض سنوات كثيرة حتى تلقت "منال" اول صدمات حياتها الجديدة.

-          (صوت انثوى على الهاتف الأرضى) آلو. منال معى؟
-          أيوا... مين معايا؟
-          مايهم مين معك. تقدرى تقولين فاعلة خير.
-          !!
-          انا حبيت أكلمك و أقولك ان زوجك المخلص الحين فى حضن واحدة ثانية.
-          !!!!!
-          اذا تبغين تتأكدين خذى ليموزين و روحى فندق الماريوت بتلاقيه حاجز غرفة 127
-          (صمت)
-          ترى انصدمتى هههههه... سلام
-          (صمت)

لم تكن تلك أخر مكالمة... كل فترة كانت تتوالى مثل تلك المكالمات على مسامع "منال" و كانت لا تدرى ما الذى ينبغى ان تفعله على وجه الدقة! هل تظلم زوجها و توجه له أصابع الاتهام لجريمة لم تتأكد انه فاعلها. منال عاقلة ... كانت و مازالت عاقلة و تحب زوجها حبا جماً. لكن حين يدخل الشك فى العلاقة الزوجية تبيت جحيما لا يطاق، فإما التيقن و إما الموت... موت الزواج او موت العلاقة او-الاصعب- موت القلب. لم تخبر "منال" احدا من اهلها طوال تلك الفترة بالامر خوفا على صدمتهم و خشية ان يكون الامر كذبا و تلفيقا.
و بعد عدة سنوات على هذه الحال و هى بين الشك و اليقين، و فى احدى المرات بعد مكالمة من مكالمات  "فاعلة خير" اخرى عقدت "منال" العزم ان تذهب فعلا للاستفسار فى احدى الفنادق المعروفة و الذى اخبرتها "فاعلة الخير" ان زوجها متواجد به مع امرأة ما.
ارتدت ملابسها و هى فى حالة من انعدام الاتزان ...تكاد لا تشعر بما يجرى حولها و لا حتى بما تفعله هى شخصيا و كأنها مسيَرة او منومة مغناطيسيا. اتصلت بخدمة الليموزين... اتاها فى غضون عشر دقائق.
-          فندق الانتركونتيننتال
-          ان شاء الله

قطع الليموزين المسافة بين منزل "منال" و الفندق بسرعة كانت تمقتها... للحظات تمنت ان يسير الليموزين فى حلقة مفرغة و الا يصل الى مكان. لم تكن تريد العودة الى بيتها و لا الى اهلها و لا ان تصل الى الفندق. تمنت ان تنتهى حياتها عند هذه اللحظة. كيف حدث هذا؟؟ و هل ممكن ان يكون الكلام صحيحا؟؟ افاقت من حالتها تلك على دعائها الداخلى بأن لا يكون زوجها خائنا و ان لا تجد ما تخشاه و ان لا ترى ما تتوجس منه خيفة.
وصل الليموزين امام الفندق... اعطته أجرته و توجهت بخطىً ثقيلة الى الريسيبشن.. اخبرت الموظف انها زوجة عبد العزيز بن عبد الله الجابر و تريد مفتاح الغرفة المحجوزة له و لزوجته و اعطته رقم الغرفة و الباسبور الخاص بها كى يتأكد من هويتها فبطاقة هويتها مع زوجها. أخذ الموظف جواز السفر للتأكد من البيانات. وقفت أمامه "منال" و هى تدعى بصمت ان يخبرها الموظف ان البيانات خاطئة و ان الشخص المذكور غير موجود حاليا بالفندق. كانت تتمنى ان ينفى لها احدا ما سمعته عبر الهاتف من امرأة لا يعلم نواياها الا الله و لا تعلم "منال" اى شئ عنها حتى اسمها. لحظات و التفت الموظف الى "منال" بعد ان ظل محدقا الى شاشة الكمبيوتر للحظات.. لقد تأكد من البيانات و سلمها المفتاح الاليكترونى للغرفة و تمنى لها اقامة سعيدة.
اذا فزوجها بالفندق فعلا!! اول صدمة كادت تطرحها ارضا... و الان عليها ان تستعد للأسوأ. السيناريو كله فى رأسها مثل فيلم رعب قاتل. تبغض هى أفلام الرعب.. و لكن هذا الفيلم تحديدا لابد ان تراه حتى اخر مشهد فيه.

 اقامة سعيدة!! هه... هذا ما تتخيله ايها الموظف المجتهد... فحياتى منذ هذه اللحظة سيغيب عنها كل ملمح للسعادة

(يتبع)

No comments:

Post a Comment