Tuesday, 1 November 2016

فتِش عن الرجل (تكملة 2)


(المشهد الرابع)
تفاصيل الخيانة و ما رأته "منال" كانوا و مازالو سرها الدفين. لم تنطق ببنت شفة لأى من أهلها أو حتى أهل زوجها. لم تخبر مخلوقا بما حدث. كان موقفا لا تحسد عليه أى امرأة فى الكون. مهما بلغ جبروت امرأة و مهما علا شأنها و مهما زادت قوتها فهى لا تشعرفى موقف مثل ذاك بكونها أكثر من طفل ضائع على شاطئ مهجور فى جزيرة لم توضع على خريطة بعد . كان ذلك بالظبط ما أحست به "منال" حين دخلت الغرفة الفندقية لتجد زوجها ممدا على الفراش الوثير نائما بجوار امرأة ذات ملامح عربية لم تعرف هويتها حينها و لا بعد ذلك. مجرد امرأة.. جسد يستأجر لأصحاب المال و الشهوة مثله. احتقرتهما من كل قلبها. ظلت صامته .. من هول الصدمة؟ احتمال... لانه لا يوجد شئ يقال؟؟ جائز... صمتها كان ملاذها الوحيد... نظرت اليها المرأة المستلقية بجانب زوجها و فى عينيها نظرات استهزاء... لابد ان تلك المرأة هى التى هاتفتها. لم يدر بينهما أى كلام... مجرد نظرات و لكن ليست ككل النظرات.

استدارت منال و خرجت تاركة الغرفة و نزلت الى بهو الفندق. طلبت من موظف الاستقبال الاتصال بغرفه زوجها. كان طلبا غريبا لكن الموظف ليس من حقه استجواب النزلاء. لبى طلبها فورا و أعطاها سماعة الهاتف. 

- آلو... انا "منال" يا عبد العزيز.. انزل اللوبى..انا تحت
بقولك انزل... انا طلعت الغرفة و شوفت كل حاجة ... مفيش داعى تنكر اى حاجة..انا مش عايزة اطلع تانى الغرفة
هتنزل و هنتكلم علشان ننهى كل حاجة باحترام.

لن نعلم ابدا كيف كان موقف عبد العزيز حين استيقظ على صوت الهاتف فى غرفته و هو نائم بجانب امرأة مستأجرة ليسمع صوت زوجته من نفس الفندق تخبره برؤيتها له على تلك الحالة و رغبتها فى انهاء كل شئ.
لابد انه كاد يجن او اعتقد انه يحلم حلما سخيفا او يرى كابوسا سيريالى التفاصيل. على آية حال، مشاعر الخائن لا تهمنا فلن ننظر فى أمر إحساس قاتل وقت قتل فريسته. تعنينا الضحية و يعنينا ما حدث بعد ذلك فقط.

الفراق كان أمرا حتميا.. اعترف "عبد العزيز"بكل شئ لها.. اعتقد ان هذا قد يكون ملاذه الأخير. منطقه ان "لا كذب حتى تنسى منال خيانتى" و لكن هل هناك اكبر من الخيانة كذب. الخيانة هى الكذب متشحا بأقبح الثياب واضعا أردأ العطور متزينا بحبال من الشوك.

الفراق كان علاج سطحى لجرحها العميق...اما فعلته النكراء فلم تجد لها علاجا أفضل من حرمانه منها و من حبها له. هذا هو مايستحق و هذا ماسوف ينال.

و "نوف"؟؟؟ 

بالطبع ذهبت مع امها الى مصر... أكملت تعليمها هناك و كانت تزور والدها فى نهاية كل عام دراسى. تقضى معه اجازة الصيف كاملة. لم تشعر يوما بالصدع الرهيب فى علاقة والديها فكلاهما برغم الطلاق و برغم مسبباته التى بقيت سرهما الأوحد، تعاملا بتحضر كبير فيما يخص ابنتهما... تحضر يليق بتربية كل منهما و بذكرى حب كان بينهما ذات يوم. لم تعلم "نوف" اى شئ. و لا تذكر انها سمعت من والدها او والدتها اى كلمة جارحة فى حق الآخر. كانت فخورة بهما رغم البعد و الانفصال و رغم الشتات الذى وجدت نفسها أسيرة له... فى اواخر الصيف و طوال الشتاء هى فى مصر مع والدتها و فى بداية الصيف تقضى عطلتها مع والدها و زوجته التى تزوجها لاحقا بعد أن يئس ان تعود إليه منال نهائيا. الحياة تستمر... و حياة الجميع استمرت.. و أنهت نوف دراستها و جاءها الخطاب واحدا تلو الآخر. والداها ققررا ان يتركا لها حرية الاختيار، حتى الوالد لم يمانع ان تزوجت ابنته رجلا مصريا بالرغم من ميل اهله بنزعتهم القبلية و إلحاحهم عليه فى أن يزوج بنته "السعودية" الى شاب "سعودى" يليق بهم و باسم عائلتهم الكبير. و لكن "عبد العزيز" لم يرد ان يحطم قلب ابنته يوما.. هى كل ماتبقى له من "منال"... قلبها نصفين...نصف منه و نصف من منال... و ان كسر قلب ابنته و أرغمها على الزواج ممن لا يميل له قلبها فبذلك يكون قد كسر قلب منال مرتين و هذا بالنسبة له كان رابع المستحيلات.
 و جاء "فهد" شاب وسيم ابن اسرة غنية و متأصلة من سلسال عريق ببلده. شاب تطمع فى نسبه و نسب أسرته كل العائلات. تعلم بالخارج و عاد الى بلده ليعمل فى مشاريع اسرته الاستثمارية. والد فهد تعامل مع "عبد العزيز"- والد "نوف"- فى اكثر من مشروع مربح، ومن هنا كانت المعرفة و اعرب والد "فهد" عن رغبته بطلب ابنة "عبد العزيز" لولده. كان حدثا مفرحا مبهجا بكل المقاييس و اكتمل بموافقة مبدئية من "نوف" على الخوض فى تلك التجربة.
 هذه الايام اصبحت هناك جوالات و برامج للمحادثات و طرق كثيرة للتواصل فبات من السهل على أبناء و بنات الجيل الجديد التعرف بشكل أفضل على بعضهم البعض برغم العادات و التقاليد. و هذا ماكان بين العروسين. تعلقت "نوف" بفارس الأحلام "فهد"، و بدأت تشعر بنبته حب بضة قد بدأت تنبض بالحياة داخل فؤادها الغر. اهتمامه بها و حبه لها جعلاها تشعر أنها ملكة متوجة فى قلبه..اصبحا لا يفترقان حتى و ان كان قربهما فى عالم افتراضى و ليس واقعا ملموسا... يستقظ على صوتها و تنام على صوته..كان أول حب يملأ قلبها؛ و الحب الأول.. ليس كأى حب. 




(المشهد الأخير)

(نوف مسترخية على أريكة بغرفة بغرفة الجلوس بمنزلها)

نوف: (مخاطبة أمها على الهاتف بلكنة مصرية )  "فهد" راجع كمان يومين يا ماما
منال: ان شاء الله يرجع بالسلامة يا حبيبة قلبى. ربنا يسعد أيامكم.
نوف: انا حضرت أحلى لبس عندى علشان اول ما يرجع بفكر نسافر انا وهو اى مكان نقضى فيه يومين
منال: و ماله يا حبيبتى... قوليله و ان شاء الله مايكونش مشغول و تسافروا تقضوا يومين حلوين فى اى مكان جميل تحبوه
نوف: ماما
منال: نعم يا حبيبة قلبى
نوف: ......
منال: مالك يا نوف؟ انتى بتفكرى فى ايه يا حبيبتى؟
نوف: انتى عارفة
منال: نفس الموضوع! اكيد.
نوف: ايوا يا ماما
منال: الخلفة يا بنتى حاجة بتاعة ربنا و ان شاء الله فيه فايدة و فيه أمل. انتى بتروحى مع جوزك للدكتور و هو قا لكم ان فيه تحسن و ممكن فى خلال سنة تخلفوا ان شاء الله.
نوف: بس انا خايفة.
منال: من ايه بس يا حبيبة قلبى؟ هو مش جوزك صابر و ما اشتكاش من حاجة و كويس معاكى؟
نوف: جدا
منال: يبقى سيبك من الشيطان ده و استعيذى بالله منه
نوف: مش عارفة يا ماما.
منال: ماتقلقينيش عليكى بقى
نوف: ماتقلقيش... انا عارفة ان اول مايبقى فيه حمل هبقى تمام
منال: ان شاء الله يا حبيبتى. و الله انا مش ببطل دعاء لكم انتم الاتنين فى كل وقت
نوف: ربنا يتقبل يا ماما... انا هروح دالوقتى اشوف ترتيبات الاكل و ايه اللى ناقص فى المطبخ و فى البيت علشان الحق انزل اشتريه بكره قبل مايرجع فهد و هبقى اكلمك تانى يا ماما ان شاء الله.
منال: باذن الله يا حبيبتى ... خدى بالك على نفسك و على جوزك...لا إله الا الله
نوف: سيدنا محمد رسول الله

أنهت "نوف" مكالمتها مع أمها و همت بالذهاب الى المطبخ تاركة الهاتف الخلوى على الأريكة حين سمعت إشعارا من الهاتف ينبئ برسالة واردة. 
رجعت "نوف" و التقطت الهاتف و نظرت الى الرسالة.. علها رسالة من زوجها الحبيب. نظرت اليها بتمعن و اتسعت عيناها عن اخرهما. وقفت تقلب فى محتويات الرسالة. كانت الرسالة تحوى مجموعة من الصور. هل هذا معقول؟؟؟ من هذا؟؟؟ و من تلك؟؟؟ لا يمكن أبدا. مستحيل. 
ووسط ذهولها و حيرتها وصلتها رسالة جديدة و لكن بها مقطع فيديو قصير... انه "فهد" زوجها.. انه هو و هو يحدثها فى وقت سابق اثناء اليوم... المكالمة التى اخبرها فيها بموعد وصوله بعد يومين... و لكنه لا يبدو فى ماليزيا... انه فى السعودية... و من تلك التى بجانبه؟؟؟ انها تحتضنه؟؟؟ هل كان هذا ما يفعله وهو يحدثها باكر اليوم؟؟؟؟ هل كان فى السعودية طيلة أسبوعين مع تلك المرأة؟؟؟ لماذا؟؟؟ 
و توالت الرسائل الواحة تلو الأخرى... صور.. رسائل صوتية...مقاطع فيديو أخرى..........
و فجأة تحولت كل الألوان فى عينيها إلى الأسود وسقطت نوف على الأرض مغشيا عليها.

                          ***

بعد يومين عاد "فهد" الى المنزل و هو يحمل حقيبة سفره فرحا مستبشرا ... كان البيت هادئا كالمعتاد... و لكن هناك شيئا غير مألوف شعر به. أين رائحة الطيب الذى يحبه و الذى كانت تستقبله به زوجته؟؟؟ اين هى؟ انه معتاد على رؤيتها تهرول اليه بعد كل عودة له... تركض من أى مكان بالمنزل فور ان تشعر به قد أتى. أين هى؟؟؟ نادى "فهد" على الخادمة و لكن لم يظهر له أحد نهائيا. البيت خالٍ، ليس به أحد.

زادت ريبة "فهد" فذهب بسرعة الى غرفة نومه، لم يجدها هناك و شعر بفراغ لا يعلم مصدره. كأن هناك إعصارا عصف بالبيت فلم يترك به شيئا برغم ان كل شئ فى مكانه. و لكن أين صاحبة الأشياء؟ اين نوف؟ 

هم "فهد" بالاتصال على جوالها حين لمح ظرفا ورقيا على مكتبه بالغرفة المجاورة لغرفة نومه... اقترب من المكتب و فتح الظرف. 
كان بالظرف صورا رقمية مطبوعة ... بهت "فهد" و فجأة شعرببرودة بدأت من رأسه ووصلت إلى أوصاله فى لمح البصر فتجمد مكانه و بدأ يتصبب عرقا غزيرا من كل جسمه. فتح ورقة مطوية كانت داخل الظرف مع الصور و قرأ المكتوب فيها بخط يعرفه جيدا:

"لقد علمت كل شئ...
 فى انتظار الطلاق.... 
أنا  بمصر...
.. نوف"



###
تمت

فتِش عن الرجل (2)





(المشهد الأول)

(امرأة عشرينية جميلة تجلس فى غرفة جلوس بشقتها الفخمة بالعليا- إحدى مناطق مدينة الرياض بالمملكة السعودية. ثيابها تدل على غنىً واضح و ذوقٍ عالٍ. تأتى خادمة تبدو من ملامحها انها من احدى الدول الشرق آسيوية. تضع الخادمة صينية بها كوب كبير من النسكافيه و بعض الحلوى أمام صاحبة المنزل و تغادر فى هدوء. تتناول هى كوبها من النسكافيه بيد و تمسك هاتفها الخلوى بيدها الأخرى متحدثةً إلى شخص ما على الخط الآخر.
-          هلا حبيبى. ايش لونك؟ عساك بخير انشالله
إى.. انا تمام. مِتى بترجع؟  جول و الله! بعد يومين؟! هذا أحلى خبر سمعته اليوم
ترجع بألف سلامة حياتى.. اتوحشتك كثير كثير انتظرك على أحر من الجمر
فى أمان الله حبيبى.. لا إله إلا الله

تهب الحسناء من جلستها و هى فى قمة السعادة و تذهب على عجالة إلى غرفة نومها كى تحضر ملابسها و زينتها كى تليق باستقبال زوجها بعد عودته من سفره فى ظرف يومين. و تحدث نفسها قائلة:
-          وِش بتلبسين يا نوف؟؟ وِش الى بيليق بحبيك فهد؟ و الله لا ألبس له أحلى الثياب و أحضر كل غالى و ثمين. و الله انك وحشتنى يا فهد. أول مرة تطَول فى السفر كِذا و تغيب عن حبيبتك نوف. انشالله ماتنعاد السفرة الطويلة هاذى.
كان فهد قد سافر منذ حوالى أسبوعين فى رحلة عمل الى ماليزيا كانت هى الأطول منذ زواجه ب "نوف" قبل عامين. لم تعتد "نوف" على بعده عنها اكثر من يومين او ثلاث على الأكثر. تكره الوحدة فقد كانت الوحدة رفيق ثقيل الظل لها دوما.
تطلعت "نوف" الى صورة زفافها هى و "فهد" على كومود بجانب سريرها... ما أحلى ذلك اليوم. كان يوما جميلا بكل تفاصيله. تحضيرات العرس المرتبة و فستان زفافها المصنوع فى فرنسا و تفاصيل بيت الزوجية المكتملة قبل الزفاف كما أرادتها تماما. كل شئ كان يفرحها، و لكن ما جعل فرحتها الضعفين هو وجود والدتها بجانبها ذلك اليوم.  لطالما اشتاقت نوف لأمها "منال". ظروف كثيرة فرقتهما بعد ان كانتا لا تفترقان.. هى لا تدرى بالظبط ما الاسباب الحقيقية التى أدت لطلاق والديها و لكنها تعرف انها تزوجا عن حب... ليس مثل زواجها من "فهد" الذى كان زواجا تقليديا نشأ بعه الحب ... دائما كانت تسمع من امها تلك القصة الساحرة التفاصيل. قصة حب "منال" و "عبد العزيز"

المشهد الثانى
(قبل خمسة و عشرون عام.. المكان: منزل سعودى أنيق فى حى السليمانية، حى راقٍ بالرياض.  تجلس شابتان جميلتان فى غرفة جلوس راقية التفاصيل. تتحدثان بكل مودة و عفوية)
منال: انتى مش هتبطلى نشوفية دماغك دى يا حصة. قلت لك مليوم مرة احنا لا هنتجوز و لا نشوف جواز عن حب طول ما أهلى و أهلك دماغهم محجَرة كده.
حصة: إى و الله. ترى اللى يشوف أهلك و أهلى ما يجول ان أهلك مصريين. صدق. كأنهم عمرهم كله بالسعودية. خروج بحساب. صداقة مع البنات فى حدود. ممنوع كلام مع شباب. ممنوع تأخير حتى لو مع صيقتى. ممنوع ميك أب إلا بالمناسبات. ممنوع...ممنوع.. و الله يبطون الكبد مثل أهلى.. (تضحك مقهقهة)
منال: لكن الأغرب من أهلك و أهلى .. انا وانتى... انتى رافضة كل الممنوع اللى اهلك بيقولوه و ناقص تروحوا القسم من كتر المناقشات اللى بتدخلى فيها معاهم. و انا مستسلمة لأهلى و متقبلة الممنوع و المحظور و معنديش اى مشكلة. اللى يشوفنا يفتكرك انتى اللى مصرية و انا السعودية. (تضحك محاولة الا يعلو صوتها خارج حدود الغرفة)
و فى أثناء حديثهما و ضحكهما الرقيق... يطرق الباب و ينتظر الطارق رد الجالسات بالغرفة. فترد حصة معتقدة ان الطارق احدى الخادمات.

حصة: ادخلى
عبد العزيز: انا عبد العزيز حصة
منال: (تشعر بالارتباك و الخجل)
حصة: عادى اقول لعبد العزيز خوى يدخل منال؟
منال:  (مرتبكة) اه طبعا .. عادى.. مفيش مشكلة يا حصة.
حصة: تعال خوى. اتفضل
(يدخل عبد العزيز الغرفة على استحياء)
عبد العزيز: كيف حالكم بنات؟ انشالله بخير "منال"؟
منال: (ووجهها يقطر خجلا) الحمد لله يا عبد العزيز.. يارب انت كمان تكون بخير.
عبد العزيز: الحمد لله.. انا جيت اسلم قبل ما أنزل. بلغى والديكى تحياتى و سلامى منال.
منال: يوصل ان شاء الله.

 ..وجه عبد العزيز كان متهللا و يبدو عليه كل السرور و الارتياح. ولم لما و قد رأى وجها يحبه كثيرا و روحا يعشقها فى صمت. أليست الجالسة مع اخته هى "منال" ، صديقتها الجميلة الرقيقة عروس نيل مصر التى طالما سمع عن سحرها و سحر نيلها من أبيه رجل الأعمال السعودى سليل الحسب و النسب و أكبر عائلات المملكة؟ أليس هذا الوجه هو الذى يملأ قلبه فرحا و غبطة و سرورا؟ أليست تلك فتاة أحلامه التى مازال يذكرها مذ كانت فى المرحلة الثانوية صديقة لأخته و اخته صديقة مقربة لها؟ اليست تلك منال ابنة الدكتور "شوقى عبد الله" من أكبر و أفضل الأطباء المصريين اصحاب السمعة الطيبة و الذى يذهب اليه والده شخصيا و اكابر الشخصيات العامة بمدينته و من المدن الأخرى فى كافة انحاء المملكة؟؟أليست زوجته - والدة منال- السيدة الفاضلة احدى صديقات والدته المقربات و التى تعامله دوما كإبن من أبنائها و تكن له- كما يكن لها- كل مودة و محبة؟

لاحظت حصة فى الفترة الأخيرة  ان النظرات المتبادلة بين منال و عبد العزيز ليست نظرات عادية.. كان الحب يشع من كل تفاصيل وجهيهما.. ما أجمله.. حصة فى قرارة نفسها تشعر بالسعادة و لكنها لاتستطيع إحراج صديقتها و مفاتحتها فى الموضوع قبل أن تفاتحها هى أولا. و كذلك لا تستطيع ان تتحدث إلى أخيها عبد العزيز الذى يكبرها بنحو خمس سنوات حتى لا تُحرج هى شخصياً. و لكنها كانت هى الوسيط الغير معلن للقاء المحبين. دائما كانت تذهب الى منزل "منال" قبل سنوات للاستذكار و قضاء وقت طيب مع اسرة منال بعلم اهلها... و لكنها عندما شعرت بتلك المشاعر الجارفة بين اخيها و صديقتها لم تقف عائقا أمامهما بل كانت تكثر فى دعوة منال الى منزلهم حتى يتسنى لعبد العزيز رؤيتها فى اطار أسرى يليق بهما بدون احراج او اى شبهة تؤذى أيا منهما.
تلك هى العادات و التقاليد التى تمقتها حصة... لا يجوز للراغب بالزواج الجلوس مع من يحب او يريد الارتباط بها.. لا يمكن ان يتحدثا الا قبل "المِلكة" او "عقد القران" كما يقال عليه فى مصر. مستحيل ان يخرج الاثنين سويا الى اى مكان عام قبل الزواج.. و اى لقاء لابد ان يكون فى بيت اهل العروس و بحضور اهلها. محاذير و أوامر و أصول لا تستطيع حصة او غيرها من البنات الحيدعنها. كثيرا ما سمعت حصة عن زيجات تمت بتلك الطريقة و كانت عواقبها وخيمة... فالفتاة لم ترى خطيبها – او زوجها فيما بعد- او تتحدث معه بالقدر الكافى الذى يتيح لها فهم شخصيته و تقييم سلوكياته. و احيانا أخرى كان الشاب هو الذى يشعر بالخديعة و الفشل حينما يتزوج من فتاة عن طريق خاطبة او عن طريق احدى سيدات العائلة و بعد الزفاف و العشرة لفترة طالت او قصرت يكتشف كم كانت تلك الفتاة تافهة و ذات عقلية سطحية لا تهتم الا بنفسها و زينتها و كل ما تفقهه عن الزواج هو السرير و الزينة و الحياة الوردية و التسوق ثم التسوق. و غير ذلك الكثير. لذلك، اخذت حصة عهدا على نفسها ان تكون عاملا مساعدا فى تحقيق معادلة "قصة حب" اخيها و صديقتها و ان تظل معهما، تساندهما و تزلل لهم سبل اللقاء العابرة كلما سنحت الظروف ...  الى ان يتم المراد من رب العباد.

المشهد الثالث
(بعد عشر سنوات – المكان: منزل عبد العزيز.. داخل غرفة نوم ابنته "نوف" )
عبد العزيز: صباح الخير حبيبة بابا
نوف: صباح الخير يوبا.
عبد العزيز: كيفك حبيبة بابا عبد العزيز؟
نوف: بخير يوبا. اليوم بروح لماما منال؟ إى؟؟
عبد العزيز: (مهموما) إى حبيبة بابا... عمتك "حصة" بتيجى اليوم تاخدك عند ماما. تبغين شى اجيبولك قبل ما تروحين؟
نوف: بس أبغى تشترى لى العروسة اللى جلتلى بتجيبلى اياها امس
عبد العزيز: من عيونى حبيبة بابا.
(تدخل الخادمة لتجهيز "نوف" للخروج)
عبد العزيز يخرج من الغرفة و يأخذ مفاتيح سيارته ليذهب متوجها الى محل الالعاب القريب من سكنه كى يشترى الدمية التى طلبتها نوف. و فى طريقه الى المحل لعبت ذاكرته نفس اللعبة الدنيئة معه، فقد أخذته الى الوراء قبل حوالى العام. تذكر انه قبل عام كان ينعم بحب زوجته و حبيبته "منال". كانت "منال" ما تزال تقطن معه بيته الذى بات يسكنه وحده هو و "نوف" ابنتهما. قبل عام كانت حياتهما مستقرة هانئة منذ ان تزوجا. لا جدال بينهما و لا خلاف حقيقى... فقط حب وود و سعادة... و زانت حياتهما "نوف" اول البخت و ثمرة الحب الرومانسى الذى امتد على استحياء لسنوات قبل الزواج. حياة مثالية كما كان يراها الجميع... او هكذا كانوا يعتقدون... لم تكن "منال" تعتقد ذلك... بل كانت تتعذب كثيرا طول سنوات عديدة و لكن لم تخبر احدا وقتها... فبعد فترة وجيزة من زواجها من "عبد العزيز" و مباركة الاهل و الاصدقاء هذا الزواج الميمون، تكشفت لها أشياء لم تكن فى الحسبان. لم تمض سنوات كثيرة حتى تلقت "منال" اول صدمات حياتها الجديدة.

-          (صوت انثوى على الهاتف الأرضى) آلو. منال معى؟
-          أيوا... مين معايا؟
-          مايهم مين معك. تقدرى تقولين فاعلة خير.
-          !!
-          انا حبيت أكلمك و أقولك ان زوجك المخلص الحين فى حضن واحدة ثانية.
-          !!!!!
-          اذا تبغين تتأكدين خذى ليموزين و روحى فندق الماريوت بتلاقيه حاجز غرفة 127
-          (صمت)
-          ترى انصدمتى هههههه... سلام
-          (صمت)

لم تكن تلك أخر مكالمة... كل فترة كانت تتوالى مثل تلك المكالمات على مسامع "منال" و كانت لا تدرى ما الذى ينبغى ان تفعله على وجه الدقة! هل تظلم زوجها و توجه له أصابع الاتهام لجريمة لم تتأكد انه فاعلها. منال عاقلة ... كانت و مازالت عاقلة و تحب زوجها حبا جماً. لكن حين يدخل الشك فى العلاقة الزوجية تبيت جحيما لا يطاق، فإما التيقن و إما الموت... موت الزواج او موت العلاقة او-الاصعب- موت القلب. لم تخبر "منال" احدا من اهلها طوال تلك الفترة بالامر خوفا على صدمتهم و خشية ان يكون الامر كذبا و تلفيقا.
و بعد عدة سنوات على هذه الحال و هى بين الشك و اليقين، و فى احدى المرات بعد مكالمة من مكالمات  "فاعلة خير" اخرى عقدت "منال" العزم ان تذهب فعلا للاستفسار فى احدى الفنادق المعروفة و الذى اخبرتها "فاعلة الخير" ان زوجها متواجد به مع امرأة ما.
ارتدت ملابسها و هى فى حالة من انعدام الاتزان ...تكاد لا تشعر بما يجرى حولها و لا حتى بما تفعله هى شخصيا و كأنها مسيَرة او منومة مغناطيسيا. اتصلت بخدمة الليموزين... اتاها فى غضون عشر دقائق.
-          فندق الانتركونتيننتال
-          ان شاء الله

قطع الليموزين المسافة بين منزل "منال" و الفندق بسرعة كانت تمقتها... للحظات تمنت ان يسير الليموزين فى حلقة مفرغة و الا يصل الى مكان. لم تكن تريد العودة الى بيتها و لا الى اهلها و لا ان تصل الى الفندق. تمنت ان تنتهى حياتها عند هذه اللحظة. كيف حدث هذا؟؟ و هل ممكن ان يكون الكلام صحيحا؟؟ افاقت من حالتها تلك على دعائها الداخلى بأن لا يكون زوجها خائنا و ان لا تجد ما تخشاه و ان لا ترى ما تتوجس منه خيفة.
وصل الليموزين امام الفندق... اعطته أجرته و توجهت بخطىً ثقيلة الى الريسيبشن.. اخبرت الموظف انها زوجة عبد العزيز بن عبد الله الجابر و تريد مفتاح الغرفة المحجوزة له و لزوجته و اعطته رقم الغرفة و الباسبور الخاص بها كى يتأكد من هويتها فبطاقة هويتها مع زوجها. أخذ الموظف جواز السفر للتأكد من البيانات. وقفت أمامه "منال" و هى تدعى بصمت ان يخبرها الموظف ان البيانات خاطئة و ان الشخص المذكور غير موجود حاليا بالفندق. كانت تتمنى ان ينفى لها احدا ما سمعته عبر الهاتف من امرأة لا يعلم نواياها الا الله و لا تعلم "منال" اى شئ عنها حتى اسمها. لحظات و التفت الموظف الى "منال" بعد ان ظل محدقا الى شاشة الكمبيوتر للحظات.. لقد تأكد من البيانات و سلمها المفتاح الاليكترونى للغرفة و تمنى لها اقامة سعيدة.
اذا فزوجها بالفندق فعلا!! اول صدمة كادت تطرحها ارضا... و الان عليها ان تستعد للأسوأ. السيناريو كله فى رأسها مثل فيلم رعب قاتل. تبغض هى أفلام الرعب.. و لكن هذا الفيلم تحديدا لابد ان تراه حتى اخر مشهد فيه.

 اقامة سعيدة!! هه... هذا ما تتخيله ايها الموظف المجتهد... فحياتى منذ هذه اللحظة سيغيب عنها كل ملمح للسعادة

(يتبع)

Thursday, 27 October 2016

فتِش عن الرجل (1)




شعرت بغصة فى حلقها و هى ترشف كوب من الشاى صنعته على عجالة قبل ان تجلس امام مكتب خشبى عليه كومة من أوراق امتحانات لا أول لها و لا أخر.  نعم، هى مدرسة. تعمل فى إحدى المدارس الحكومية ذات السمعة الطيبة. دوام واحد و يوم كامل للطلاب المتميزون. تقع المدرسة فى منطقة هادئة بإحدى أحياء القاهرة. لم يزعجها أى شئ حولها، لا الأوراق اللامتناهية العدد و لا رداءة نوع الشاى الذى ترتشفه على مضض، و لا حتى انها فى آخر شهر مايو و هى على "الحميد المجيد" فى انتظار راتب الشهر حتى تتنفس مرة أخرى. الغصة كان منبعها ذكرى قديمة. ليست قديمة جدا و ان كانت قد أودعتها فى غياهب عقلها الباطن حتى أصبحت شبه منسية. انها تجدها حاضرة فقط فى أوقات وحدتها فى أغلب الحالات. و قد يكن حولها بعض الناس او الكثير منهم فى مواقف مختلفة  فتلمح أحدا يشبهه فتتذكر. منذ خمس سنوات أعطت قلبها له و شعرت بحلاوة الدنيا التى لم تشعر يوما ان لها حلاوةً ابدا و لم تجد لها أى جانب إيجابى قط. هى ليست متشائمة بطبيعتها و لكن قد تكون تقلبات الدهر و نواكبه هى التى أكسبتها تلك الجدية الزائدة و أطفأت من وجهها ذلك النور القديم. القديم قدم حبها فى أحراش ذكرياتها الدفينة.
قبل خمس سنوات، كانت ضحكتها تثير فى النفوس حالة من السعادة و الرغبة فى الابتسام و مشاركتها اسباب الفرح. فى يوم ما كانت لا تعتل للدنيا هما برغم أشياء كثيرة واجهتها  على صغر سنها. منذ خمس سنوات كانت والدتها مريضة مرضا صعبا و كانت على وشك الدخول فى إجراءات طويلة و مراحل معقدة من علاج ذلك المرض الفتاك.
قابلته و هى متوجهة بأمها فى يوم ما إلى مركز علاج الأورام حيث كان مقررا لوالدتها تنازل جرعة الكيماوى التى حددها لها الطبيب بعد الجراحة. كانت توقف سيارة أجرة حتى يتسنى لهما الذهاب بسرعة و بدون ان تتعب والدتها فى المواصلات العامة. كانت تدور فى رأسها أشياء كثيرة بداية من حزنها على والدتها و الخوف من المجهول الذى ينتظرها فى رحلة العلاج و ترقب الألم الذى ستعانى منه أمها بعد تناول جرعة الدواء السام و الذى يمتد ألمه لمدة أسبوع أو أكثر بعد انتهاء الزيارة. كان هو سائق السيارة الأجرة. شاب فى الخامسة و العشرين من عمره، يكبرها بعامين فقط. عرف منها و من والدتها تفاصيل المشوار الذى أخذهما إليه و تعاطف جدا مع الموقف. و كان فى أشد حالات الاندهاش بسبب البسمة و الدفئ فى صوتها برغم ما تمر به من ظروف مرض والدتها. أحبها من أول لقاء. نعم أحبها لا يمكن إنكار ذلك. و ان كان ما حدث بعد ذلك ينافى ذلك المنطق ان كان فى الحب منطق.

لم يكتفى بتوصيلهما للمركز و لكن وعدهما ان يكون فى الانتظار بعد تناول جرعة الكيماوى و أعطى لها رقم هاتفه الخلوى. و بالفعل وجدته عند خروجهما من المركز. كان يريد ان يعرف عنوانها بشياكة من خلال تلك اللفتة انسانية. و قد فعل.

و فى سرعة كانت تبشر بخير و فرح كبير خطبها بعد ان زارهما هو ووالدته. عرف انها يتيمة الأب. و هى عرفت انه خريج كلية التجارة و يعمل على التاكسى لتحسن دخله. ابن ناس، محترم، لا يعيبه شئ، بل يزينه حبه لها.
تمت الخطبة فى نطاق أسرى ضيق لظروف مرض الوالدة التى تحسنت حالتها مع الوقت بفضل رب يعلم انه ليس لتك الفتاة بعد أمها شئ تعيش لأجله. و زاد الفضل وقتها بدخول الحب حياتها الى حياتها. حب ملأ روحها سلاما و قوة و شجاعة فى مواجهة الأيام.

ماذا حدث؟ و لماذا حدث؟ و كيف حدث؟

هى لا تدرى أى شئ. أحيانا تشعر أنها ليست تلك الفتاة التى عاشت ذلك الجرح. تشعر انها و تلك الفتاة شخصان منفصلان تمام الانفصال. كذلك هو. الشخص الذى أنهت علاقتها به ليس هو نفس ذاك الشخص الذى انتظرها مع والدتها أمام المركز. هل يعقل ان يتبدل  الإنسان بهذه الطريقة؟ و أن يتغير إلى حد الاختلاف كلية؟

هل هى الظروف المادية التى بدلت كلامه الحنون الى شخط و نطر؟ ام هى ضغوط الحياة و العمل التى أنسته حبه الجم لها؟ ام والدته التى كانت تغير من حبه لها كطفلة تمقت ان يلعب أحد بدميتها؟؟
الأسئلة فى رأسها كثيرة جدا ... أو كانت كثيرة جدا، فالآن هى لا تسأل. هى "الجديدة" مستسلمة للواقع و لا تفكر حتى ان كانت راضية ام ساخطة، سعيدة أم حزينة.

كل ما تعرفه انه تغير و انه لم يعد هو و أنهما لم يعودا معا للأبد.

تذكرت آخر لقاء بينهما. هى طلبت منه اللقاء. جلسا فى كافيه هادئ و بدأت هى الكلام كما أنهاه هو.
بدأت بتساؤلات و انتهى هو بقرارت. أخبرته انها مازالت تحبه وانها على استعداد لانتظاره العمر كله ان كانت ظروفه لا تسمح بالزواج فى الوقت الحالى فكان رده فاترا غليظا "انا لا أشعر بالاتزان حاليا، ظروفى ملخبطة و لا أستطيع التركيز فى الحب و الكلام ده"
أى كلام كان يقصد؟ كلامه ووعوده مثلا؟ أحلامه التى جعلت هى منها كتابا مقدسا فى فؤادها حفظته عن ظهر قلب! أم معسول قوله فى مدحها و حبها الذى انقلب هجاءا قبل الفراق؟

لم يعد هو... و كان يجب ان تتغير هى. فهى ليست ذلك النوع من البنات صاحبات الجلد السميك اللاتى يتقبلن المهانة و إلغاء كرامتهن فور الدخول فى قصة حب مع رجل كل مقومات رجولته كلمة "ذكر" فى بطاقة هويته.

هى لم تكن تسعى ل"راجل و السلام"، بل كانت تريد أبا يعوضها فقدان الأب و حبيبا يعطى بقدر ما يأخذ، و أنيسا يطمئنها ان صارعتها الأيام.

"لم يكن اختيارا صحيحا" هذا ما حدثت به نفسها. كان يبدو وقتها هو الاختيار الأمثل. كان يرتدى قناعا زائفا من الرجولة المصطنعة. رجل متحمل للمسئولية يعمل و يكدح و يعتمد على نفسه. لم تكن تعلم انه "ابن امه" قطعا، او انه كاذب، أخفى عنها ديونه الكثيرة التى صارحها بها بعد فوات الأوان، و لا انه خائن، يتكلم معها عن الحب الأسطورى فى التليفون أو ترتجف أنامله عندما يمسك يدها او يتجرأ لدخول البيت من بابه ليخطبها بينما فى نفس الوقت على علاقة بغيرها.

عندما انكشف كل ذلك أمامها تعقلت كعادتها و لم تهدم المعبد على رأس الجميع فلديها أم مريضة تخاف عليها أكثر مما تخاف على نفسها. فى الوقت الذى كان قلبها مشطورا و محطما لم ترد ان تكسر قلب والدتها التى فرحت لخطبتها أى فرح و سعدت بها أبلغ سعادة. كان ذلك سبب لقائها به تلك المرة الأخيرة. كانت تحاول أن تنقذ ما يمكن إنقاذه. و لم تقدر. كان عنفه معها أقوى من سماحتها و كانت قسوته أشد من لينها، و كان بغضه المفاجئ هو القشة التى كسرت ظهر البعير. و انتهى كل شئ

فوجئت بدمعة نزلت من مقلتها على إحدى الأوراق التى تصححها. مسحتها على عجالة حتى لا يدخل أحد و يراها و قد اغرورقت عيناها بالدموع. نزلت تلك الدمعة لتنبهها ان تفيق و ترجع الدفتر القديم الى ركنه البعيد فى باطن عقلها.
حيث مكانه الطبيعى. و حيث ينبغى ان يكون.
###

 نهى حجاج



Monday, 17 October 2016

التغيير و حرية الرأى

قاعدة اتفرج على ستاند أب كوميدى لصاحبة برنامج التوك شو الكوميديانة الأمريكية الشهيرة  "إلين ديجينيريس" اسمه "البداية"
عجبنى جدا فى الكلام اللى قالته حاجات كتير. اتكلمت عن حقوق الانسان و الحيوان فى المجمل بشكل كوميدى مبهر. هى لماحة و ذكية جدا و صاحبة حضور طاغى و دايما بتعرف تجمِل اى حاجة هى عايزة تقولها بسخريتها المستساغة للكل تقريبا.
معروف عن إيلين انها من أكبر المدافعين عن حقوق الشواذ فى أمريكا و فى العالم كله. و لو كلمة الشواذ بتضايق حد يبقى خلينا نقول " أصحاب الهوية/الميول الجنسية المختلفة" هى ذات نفسها ذات ميول مختلفة و كشفت ده للناس من سنين و حاليا هى متزوجة من امرأة جميلة اسمها "بورشا" عارضة أزياء أسترالية و عايشين أسعد أيام حياتهم.
كل اللى فات ده مقدمة لنقطة محددة لفتت انتباهى فى كلام "إيلين". هى فى وسط كلام كتير أوى اتكلمت عن حرية التعبير عن الرأى. و هى شخصيا شايفة ان مثلا البشر اللى لهم ميول جنسية لإقامة علاقات من النوع ده مع "الحيوانات" مرفوضين و بتعتبرهم يشكل ضمنى، يفهمه كل اللى بيشوف تعليقاتها عنهم، انهم مجانين. و اعتقد هى بتتكلم عن ده ردا على المهاجمين لها و لباقى الشواذ. ناس كتير من اللى ضد "اختلاف الهوية الجنسية" بيقولوا "لو سمحنا ووافقنا و باركنا ان المثليين يعيشوا فى سلام و خالفنا بكده معتقداتنا الدينية و النزعة الانسانية الفطرية فا مش بعيد كمان كام سنة المجانين اللى بيقيموا علاقات جنسية مع الحيوانات يطالبوا هم كمان بحقوق الزواج من حيواناتهم مثلا او تقنين النوع ده من الجنس و بكده هتبقى الدنيا رايحة فى داهية وش.
إيلين علشان تأكد ان هويتها الجنسية لا تعنى بالضرورة انها مجنونة دخلت كلامها عن الموضوع ده بذكاء شديد فى كلامها و افصحت انها ضد العلاقات الجنسية بين البشر و الحيوانات. و فى إطار انها قالت رأيها فى النقطة دى تحديدا دافعت عن كل أصحاب الرأى اللى هى – مش لوحدها طبعا- شايفة ان من حقهم يبدوا رأيهم ده فى أى شئ بيعجبهم أو مايعجبهمش. نفس الرأى اللى هى و غيرها ممكن يكونوا رفضوه لما اعترضوا على كون إيلين و غيرها "مثليون".
انا كل اللى يهمنى فعلا فى الحوار ده فكرة ان هل فعلا من حقنا نقول رأينا أو نظهر فرحتنا أو امتعاضنا لما نشوف حاجة بتمر علينا فى حياتنا – حتى لو مرور عابر- و تركت أثر معين فى نفسنا؟؟؟
هل من حقى لو مش عاجبنى فكرة الشذوذ –بأى نوع أو بكل أنواعه- انى ارفضه و اعلن ده؟
هل من حقى اعترض و اشجب لو حسيت ان نظام سياسى فى بلدى مش ماشى صح؟
هل من حقى انى لو فيه حاجة فى ديانتى شايفة ان فيه ناس فسرتها على هواها و هوى من يحكمهم انى  اقول انى شايفة تفسير تانى لها؟
هل من حقى لو شوفت واحدة او واحدة حلوين اقول كده؟ و العكس؟
هل من حقى لو فى حفلة سمعت حد بيغنى و صوته مش حلو انى امشى و ما اكملش اللى بسمعه؟
هل من حقى انى اعجب بشخصية مشهورة ما، لها ميول سياسية او دينية او جنسية مختلفة عن المألوف و المقبول فى مجتمعى؟
طيب هل من حقى أرفض و أنبذ شخصية مشهورة ما، لها ميول سياسية او دينية او جنسية متفقة مع المألوف و المقبول فى مجتمعى بس مش متوافقة معايا انا شخصياً؟

علشان مانحترش كتير... انا شخصيا شايفة ان الاجابة عن الاسئلة دى و غيرها نسبية جدا.
و كلمة "إيلين ديجينيريس" نقدر نقول انها وسعت منها أوى لما قالت ان كل واحد من حقه يقول رأيه و أعتقد انها بتتكلم على المبدأ بشكله المجرد... حرية الرأى المطلقة اللى المنطق ممكن يقبلها الى حد كبير لكن الرب و مخلوقاته ممكن مايتقبلوهاش لان دايما كل رأى له راى آخر. و كل شئ له ضد أو نظير. و اللى بيحدد أى من الشيئين هو المقبول هو صاحب الشأن. بمعنى انى لو مثلا بقول ان مش عاجبنى فكرة ان سكان سكوتلندا من الرجال بيلبسوا جيبة كزى وطنى لهم... لو قلت كده لشخص سكوتلندى بمنتهى البساطة ممكن – و حقه- يقولى "انتى مالك؟ دى حاجة بتبسطنا احنا و عاجبانا و احنا اللى عايشين هناك مش انتى و احنا اللى بنلبس الجيبات مش انتى و احنا اللى بنشوف الناس اللى بيلبسوها قدام عنينا مش صورة فى مجلة او كتاب او تليفزيون زى ما انتى بتشوفيها و مفيش عندنا اى مشكلة"
صاحب الشئ او القيمة هو اللى بيحدد اذا كان مقبول رأيك و لا مرفوض. حقه. فأنت حر مالم تضر. و من حكم فى ماله ما ظلم.
لكن لو فيه ضرر... ايه اللى المفروض يحصل؟
لو اتكلمنا عن "المثليين" على سبيل المثال او "اللاجنسيين" -  اللى هم الناس اللى مالهاش أى ميول جنسية برغم سلامتهم الجسدية  و ممكن نقول النفسية كمان لعدم تأكدنا من النقطة دى- هل احنا كناس بنرفض او نقبل الموضوع ده من حقنا نعمل كده؟ من حقنا نقول لشخص غيرنا برافو انك "مثلى" او "لعنة الله عليك"؟؟؟
طيب لو انا واحدة شايفة ان "المثليين" او "اللاجنسيين" فيه خطر معنوى هيترتب على أفكارهم و ممارساتهم ... ممكن مايقعش عليا انا –شخصيا- فى الوقت الحالى الضرر ده، لكن قطعا ممكن يقع على أجيال قادمة من البشر فى أوقات لاحقة، هل ساعتها ممكن يتقبل اعتراضى؟؟ و مش بس كده... هل ممكن يكون فيه رد فعل يساند رأيى؟
أغلب الحركات الثورية السياسية و الفكرية كانت بتعارض أفكار و ثوابت مترسخة عن الناس فى زمن ما. و الرائج و اللى بيتعمل له بروباجندا على اعلى مستوى هو فكرة ان كان فيه ثوابت هبت عليها رياح التغيير المنبوذة لكن التغيير سيطر و طلع هو الكويس. ابسط مثال لحاجة زى دى هى فكرة الاختراعات الحديثة. وقت اختراع السيارات او التلغراف او التليفون... فيه ناس كانت ضد الموضوع بشدة.. و ناس اعتبرته من عمل الجان زى اهل الحجاز فى فترة الأربعينيات و الخمسينيات.. فكرة النضافة الشخصية و التعقيم اللى كانت بتعتبر "دنس" – اى و الله- عند اهل اوروبا و خاصة الانجليز فى عصور الظلمات و الناس ماكانتش متقبلاها لحد ما واحدة واحدة بدأوا –فعليا- ينضفوا دماغهم و بالتالى أجسادهم مع حقبات متلاحقة بدئت بعصر النهضة و التنوير و الحداثة إلخ.
فكرة ان التغيير احسن حل و ان كل مايدعو للاختلاف مقبول بقت هى الرائجة اعتمادا على امثلة سابقى زى اللى ذكرتها. بس هل دايما الاختلاف و التغيير صح؟؟؟ ولا هل كان فيه أشياء و ثوابت و قيم انهارت بسبب التغيير؟؟؟؟
بالمنطق، لو كل تغيير حصل للبشرية من مئات السنين كان للأفضل، طيب ليه دالوقتى فيه مجاعات و حروب و فساد و زيادة فى معدلات و أنواع الجرائم و عنصرية و عدم تقبل للأخر و قتل و سجن و تصفية...إلخ؟؟؟
 و لو التغيير شئ سئ، ليه كان كويس فى أمثلة كثيرة منها تحرير العبيد فى أمريكا و إعطاء حق التصويت للمرأة فى الغرب ثم فى الشرق؟؟؟ و ليه كان كويس لما اتكونت أغلب النقابات العمالية اللى طالبت بقوانين جديدة و تغيير قوانين قديمة علشان تحافظ على حقوق العمال و أصحاب الحرف؟؟


... للحديث بقية